أهل السنة و الجماعة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أهل السنة و الجماعة

(قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني )سورة يوسف
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 محاضرة و في أحداث الجزائر عبرة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أبو أنس السني




المساهمات : 102
تاريخ التسجيل : 02/03/2010

محاضرة و في أحداث الجزائر عبرة Empty
مُساهمةموضوع: محاضرة و في أحداث الجزائر عبرة   محاضرة و في أحداث الجزائر عبرة I_icon_minitimeالأربعاء مارس 03, 2010 3:34 am

محاضرة
و في أحداث الجزائر عبرة



لفضيلة الشيخ
محمّد سعيد رسلان

بسم الله الرّحمان الرّحيم

إنّ الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له و أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و سلم
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾[آل عمران: 102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70-71].



أما بعد
فإنّ أصدق الحديث كتاب الله و خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و على آله وسلم و شرّ الأمور محدثاتها و كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار
أما بعد
فإنّ من أعجب الأمور في ما يوصف به العناد البَغْلِِيّ الذي لا يستقيم مع المنطق و لا يستقيم به منطق فيمكن أن يجري عليه قول القائل أراد رجل أن يغيظ امرأته فَخَصَى نفسه فلا امرأته غاظ و لا على نفسه أبقى و إنّما هو لون من ألوان العناد و الحرونة لا يستقيم مع منطق و لا يستقيم به منطق و هو من المغالطات الكبيرة التي تأخذ بها النفس في حال ضعفها إلى قيام برهانها و سطوع حجّتها و إنّ الخِصاء العقليّ الذي يمارسه أقوام ليقع في أمثال هذه المسائل على ذلك النحو من غير ما فارق يمكن أن يكون.
فإنّ العناد و الحرونة و البعد عن القواعد الشرعيّة في الاستدلال و الأخذ بنصوص الكتاب و السنّة من فم الأئمّة لخلوّ الزّمان عن قائم بقضيّة الاستنباط على النحو المرعيّ هذا كلّه أمر يمكن أن يُمارس فيه الخِصاء الفكري تماما كالذي أراد أن يغيظ امرأته فَخَصَى نفسه فلا امرأته غاظ و لا على نفسه أبقى.
و إنّ من عجائب المغالطات التي يحتار فيها المرء حقا و يتأمّل فيها مليّا فلا يجد لها تفسيرا أن يقوم الرّجل من أهل الدّعوة إلى الله ربّ العالمين و من السّاعين إلى تبوّأ منصب الإمامة في الجهاد و الدّين و العلم هكذا, أن يقوم الواحد و هو يسعى إلى هذا تحصيلا بممارسة ما لا يمكن أن يُطلق عليه وصف شريف و يأخذ كتابا من كتب أهل العلم فلا يحقق مناطا و لا ينظر فيه تحصيلا و إنّما يأخذ فيه مغالطا, عن وعي فعل؟ عن علم أراد أن يصل إلى ما وصل إليه؟ هذا أمر يعلمه الله ربّ العالمين وحده إذ إنّ ربّنا جلّ و على هو المطّلع وحده على ما في الضمائر و ما تكنّ الصدور و لكن تبقى الفَعلة شَائِهَةً مَمْجُوجَة تدلّ بذاتها على أمر له خبير و لإن كان العلماء قديما في مبحث الكفر و الإيمان فرّقوا بين التكفير المطلق و تكفير المعيّن فكذلك إذا ما نظرنا إلى تلك الوقائع المشوّهة بمسخ كتب أهل العلم و هي بين أيدي النّاس فلا يمكن إلاّ أن نقول على سبيل الإطلاق و العموم من فعل ذلك فليس بمأموم و تلحق به من الأوصاف ما ينبغي أن يُلحق بمثله إذا ما فعل مثل ذلك هذا على سبيل الإطلاق و أمّا على سبيل التعيين فكما قال العلماء في أمر المطلق و المعيّن لا بدّ من توفّر شروط و انتفاء موانع و الإمام أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجوينيّ المتوفّى سنة ثمان و سبعين و أربعمائة يلقّب بإمام الحرمين لأنّه أمّ بالحرم النبويّ و بالحرم المكّي و إمام الحرمين هو باني المدرسة الأشعريّة الحديثة و له:
1. العقيدة النّظاميّة بتحقيق الكوثريّ
2. و الإرشاد إلى قواطع الأدلّة في أصول الاعتقاد
3. و لُمَعِ الأدلّة في عقائد أهل الملّة
4. و الشّامل في أصول الدّين
و كان الجوينيّ أبو المعالي إماما من أئمّة الكلام في عصره و كان يقول بنفي الصّفات على طريقة المعطِّلة و قد حكى شيخ الإسلام رحمة الله عليه ما ذكره محمّد بن طاهر المقدسيّ في حكايته المعروفة أنّ الشيخ أبا جعفر الهمدانيّ حضر مرّة و الأستاذ أبو المعالي الجوينيّ يذكر على المنبر كان الله و لا عرش يعني بذلك نفي الاستواء و نفى الاستواء على ما عُرف من قوله قال شيخ الإسلام إنصافا (و إن كان في آخر عمره رجع عن هذه العقيدة و مات على دين عجائز نيسابور) فقال الشيخ أبو جعفرلمّا سمع منه ذلك على المنبر كان الله و لا عرش ينفي الاستواء قال له الشيخ أبو جعفر" يا أستاذ دعنا من ذكر العرش يعني لأنّ ذلك إنّما جاء عن طريق النّقل أخبرنا عن هذه الضّرورة التي نجدها في قلوبنا: ما قال عارف قطّ يا الله إلاّ وجد من قلبه معنى يطلب العلو لا يلتفت يمنة و لا يسرة "قال "هذه ضرورة نجدها في قلوبنا ما قال عارف قطّ يا الله إلاّ وجد في قلبه معنى يطلب العلوّ و لا يلتفت يمنة و لا يسرة فكيف ندفع هذه الضّرورة عن قلوبنا أخذا بمذهبك و تقريرا لما قلته و ما جئت به من نفي الاستواء و العلوّ فماذا نصنع حتّى ندفع هذه الضّرورة عن قلوبنا" و صرخ أبو المعالي ووضع يده على رأسه و قال حيّرني الهمدانيّ و نزل, تاب عن هذا في آخر عمره رحمة الله عليه و كان له في الفقه ذاع رحمه الله هذا الإمام أبو المعالي تصوّر أمرا ما و كان عائشا في القرن الخامس الهجري و قد بلغت الأمّة الإسلامية في القرن الخامس الهجري قمّة التمزّق و صارت الأمّة دويلات يحارب بعضها بعضا و صارت جملة كبيرة من تلك الدّويلات إلى اعتقاد الرّوافض و بعدت عن منهج الكتاب و السنّة بل و حاربت أهل السنّة و قد كتب الجوينيّ كتاب بناه على تصوّر مستقبلي, تصوّر أنّه يقع في دنيا الله ربّ العالمين يوما فتصوّر الجوينيّ شغور أي خلو الزّمان من الإمام و كتب كتابا كبيرا جعل فيه مقدّمة قربت على نصف الكتاب تكلّم في تلك المقدّمة عن كثير من أمور الإمامة بأحكامها و دافع في الكتاب عن نظام الملك و كان وزيرا للسلطان آلدأرسلان و لم يكن وهو المصرّف لأمور الدولة في عهده لم يكن مستحقا لأن يكون إماما لأنّ للإمامة شروطا و مع ذلك كتب الجوينيّ الكتاب و دافع فيه عن نظام الملك دفاعا مجيدا بل إنّه ذكر في المقدّمة أنّ كاتب الكتاب يعني نفسه إنّما هو من خدّام الحضرة النّظاميّة و الحقّ يقال إنّ النّظام الملكي كان على مذهب أهل السنّة من حيث الإطلاق بمعنى أنّه كان في قبيل يوازي الشّيعة و يضادّها في آن و كان ناصرا لمنهج أهل السنّة بإطلاق يعني على العقيدة الأشعريّة التي كان الجوينيّ مقررا لها و مؤسسا ثانيا لأصولها, و تصوّر الجوينيّ عليه الرّحمة شغور الزّمان من الإمام فقال ( قد حان الآن أن أفرض خلوّ الزّمان عن الكُفاة ذوي الصّرامة خلوّه عمن يستحقّ الإمامة) و التصوير في هذا عَسِر,
لاحظ أنّه يتصوّر و يتخيّل أمرا مستقبليّا و يريد أن يضع له حلولا شرعيّة و لم يكن أحد في ذلك الزّمان و لا يستطيع أحد في ذلك الزّمان و لا ما يليه من الأزمان أن يعلم ما يستجدّ من أمور العاَلَم بعد حتى عند وقوع الواقعة التي يفرضها و إنّما المعلوم أنّ الإنسان إنّما يتصوّر الأمر المستقبليّ على حسب ما لديه من الخبرة الذهنيّة بتجاربه الإنسانيّة و لا يمكن أبدا أن يتصوّر إنسان في عهد الجوينيّ ما استحدثه النّاس و ما اخترعوه من أسلحة و من وسائل للإتصال عبر القارّات حتى صار العَالَم كأنّه قرية واحدة, فإذا كتب الجوينيّ كتابه رحمة الله عليه فارضا أمرا يتعلّق بأصول الشّريعة بل هو داخل- و هذا ما حدانا إلى الكلام فيه و عنه- داخل في أصول الاعتقاد على حسب أقوال أئمتنا فالإمام المبجّل أحمد بن محمّد بن حنبل و من سبقه من علماء أهل السنّة حتّى أصحاب النبيّ صلى الله عليه و سلّم و من لحقه إلى يوم النّاس هذا ممن ساروا على طريق أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلّم فهذا أصل من أصول الاعتقاد و لقد أغنانا الله تبارك و تعالى بنبيّه صلى الله عليه و على آله و سلّم في أمور الغيب عن كلّ أحد لأنّه الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه و سلّم و في الحديث المتفق على صحّته من رواية حذيفة أنطق الله ربّ العالمين حذيفة رضي الله عنه بما افترضه الجوينيّ و حاول أن يجيب عنه فقال حذيفة للرّسول صلى الله عليه و على آله و سلّم عندما أخبره النبيّ صلى الله عليه و على آله و سلّم بأوصاف الدّعاة على أبواب جهنّم قال يا رسول الله ما أصنع إن أنا أدركني ذلك الزّمان فقال له النبيّ صلى الله عليه و على آله و سلّم" الزم جماعة المسلمين و إمامهم" قال فإن لم يكن للمسلمين جماعة و لا إمام قال" فاعتزل تلك الفرق كلّها و لو أن تعظّ على أصل شجرة حتى يأتيك الموت و أنت على تلك الحال" فهذا سؤال في أمر غيبيّ لم يكن و هذا جواب من المعصوم صلى الله عليه و على آله و سلّم يقول له النبيّ صلى الله عليه و سلّم" إن رأيت الدّعاة على أبواب جهنّم فالزم جماعة المسلمين و إمامهم "قال فإن لم يكن لهم جماعة و لا إمام و هذه هي الحالة التي فرضها الجوينيّ و كسر عليها كتابه الذي سمّاه غِِيَاث الأمم في التياث الظلم و سمّي الغِيَاثِيّ قال النبيّ صلى الله عليه و على آله و سلّم عند شغور الزّمان من الإمام " فاعتزل تلك الفرق كلّها و لو أن تعظّ على أصل شجرة حتى يأتيك الموت و أنت على تلك الحال" فالنبيّ صلى الله عليه و على آله و سلّم بيّن لنا عند خلوّ الزّمان من الإمام و الجماعة الذين يلوذون به أنّ الواجب على المسلم أن يعتزل تلك الفرق و هذه الفرق التي ذكرت في حديث حذيفة هل هي الفرق المذكورة في حديث الافتراق:" و تفترق أمّتي على ثلاث و سبعين فرقة كلّها في النّار إلاّ واحدة قيل من هي يا رسول الله قال من كان على ما أنا عليه اليوم و أصحابي" هل هي هي؟ أو هي غيرها؟ الذين يقولون أنّها ليست بها يذهبون إلى تخليد الفرق الناريّة في النّار و ليس في الحديث ما يدلّ على ذلك فيمكن أن تكون الفرق التي ذكرها النبيّ صلى الله عليه و على آله و سلّم أو يكون كثير منها في النّار و مع ذلك لا تكون تلك الفرق مخلّدة في النّار و هي فرق ناريّة يعني تدخل النّار و لكن معها أصل لا إله إلاّ الله ثمّ تخرج من النّار بعد ذلك على حسب ما هو معلوم في عقيدة أهل السنّة هذا أولاّ.
و ثانيا الفرق التي ذكرها النبيّ صلى الله عليه و على آله و سلّم في حديث الافتراق مأمور المسلم بأن يجتنبها سواء كان للمسلمين جماعة و إمام أم لم يكن لهم جماعة و لا إمام فالنبيّ صلى الله عليه و سلّم عندما ذكر حديث الافتراق كان يحذّر من تلك الفرق و يدلّ على أنّ الفرقة النّاجية هي التي تلزم غرزه و غرز أصحابه صلى الله عليه و سلّم و رضي الله عنهم و إذا فجميع الفرق التي ليست على هذه الصّورة ينبغي أن تُجَانَب, إذا الفرق المذكورة في حديث الافتراق مأمور المسلم بالابتعاد عنها و اجتنابها سواء كان للمسلمين جماعة و إمام أم لم يكن للمسلمين جماعة ولا إمام هذا مسلّم عد إلى حديث حذيفة رضي الله عنه يقول النبي صلى الله عليه و سلّم" إذا لم يكن للمسلمين جماعة و لا إمام فاعتزل تلك الفرق كلّها" فإذا قال قائل إنّها هي الفرق النّارية التي ذكرت في حديث الافتراق يكون متهما خير البريّة صلى الله عليه و على آله و سلّم بأنّه قد أصابه العِيُّ و الحَصَرْ و أنّه لم ينصح حذيفة و لم ينصح الأمّة من بعده و حاشى لله ربّ العالمين و كلاّ فإنّ النبيّ صلى الله عليه و سلّم هو أنصح النّاس للنّاس و أشفق النّاس بالنّاس صلى الله عليه و على آله و سلّم لِمَ ذلك؟ لأنّه إذا سأله حذيفة رضوان الله عليه عن حال مستقبل قد افترضه كيف أصنع إذا لم يكن للمسلمين جماعة و لا إمام يقول له النبيّ صلى الله عليه وسلّم اعتزل الفرق النّاريّة التي أمرتك باعتزالها في حديث الافتراق لا يكون قد أجابه لأنّ الفرق النّاريّة المذكورة في حديث الافتراق مأمور المسلم باجتنابها و اعتزالها سواء كان للمسلمين جماعة و إمام أم لم يكن للمسلمين جماعة و لم يكن لهم إمام.
و إذا فالنبيّ صلى الله عليه و على آله و سلّم دلّ عند شغور الزّمان من الإمام و خلوّ الزّمان من الإمام والجماعة التي تلوذ به دلّ النبيّ صلى الله عليه و على آله و سلّم على المخرج من ذلك على مستوى الفرد و على مستوى الأمّة لأنّ نصب الإمام أمر تُكلّف به أمّة محمّد صلى الله عليه وسلّم فإذا فرض شغور الزّمان من الإمام فالنبيّ صلى الله عليه وسلّم يدلّ على ما ينبغي أن يفعله المسلمون لكي يأتوا بتحصيل ذلك الفرض الذي فرضه الله ربّ العالمين عليهم و إلاّ فماذا تظنّ بنبيّك صلى الله عليه و على آله و سلّم هل تظنّ به سوى ذلك؟ صلى الله عليه و على آله و سلّم, الإمام الجوينيّ رحمه الله و عفا عنه قال إنّه يتصوّر الآن و هذا تصوّر عَسِر أن يخلو الزّمان عمن يستحقّ الإمامة يقول( فإنّه يبعد عُرُوُّ أي خلوّ الدّهر عن عارف بمسالك السّياسة) قال( و نحن لا نشترط انتهاء الكافي إلى الغاية القصوى بل يكفي أن يكون ذا حصاة و أناة و دراية و هداية و استقلال بعظائم الخطوب و إن دهته معضلة استضاء فيها برأي ذوي الأحلام ثمّ انتفض مبادرا وجه الصّواب بعد إبرام الاعتزام و لا تكاد تخلو الأوقات عن متّصف بهذه الصّفات) و لكن أراد أيضا أن يفرض فرضا و أن يتوصّل إلى ما يريد قال( و لكن يسهل تقدير ما نبتغيه بأن يُفرض ذو الكفاية و الدّراية مضطهدا مهضوما منكوبا بعسر الزّمان مصدوما مُحَلأً أي ممنوعا عن ورد النيل محروما) قال (و قد ذكرنا أن الإمامة لا تثبت دون اعتضاض بعُدّة و استعداد بنجدة و شوكة فكذلك الكفاية بمجرّدها من غير اقتدار و استنكار لا أثر لها في إقامة أحكام الإسلام فإذا شغر الزّمان عن كاف مستقل بقوّة و مُنّة فكيف تدري قضايا الولايات و قد بلغ تعذّرها منتهى الغايات) فنقول هذا ما تصوّره قال (أمّا ما يسوغ استقلال النّاس فيه بأنفسهم ولكن الأدب يقتضي فيه مطالعة ذوي الأمر و مراجعة مرموق العصر كعقد الجُمَعِ و جرّ العساكر إلى الجهاد و استيفاء القصاص في النّفس و الطّرف فيتولاّه النّاس عند خلوّ الدّهر), تأمّل يسيرا تدري ما أراد؟ مما قد يكون القوم ممن أخذوا كلام الرّجل فحملوه على غير محمله أن يكون القوم قد عرفوا ذلك و أخفوه وهذه طامّة الطامّات فمن فعل ذلك لا يحمل عنه علم لأنّه مدلّس قبيح التدليس غاشٌّ لأمّة محمّد صلى الله عليه و سلّم و إمّا أن يكون قد غَمُضَ عليهم بعض الغموض أو جميع الغموض فلم يدروا وجهه فخبطوا و أيضا عليهم مَعَرَّةُ أنّهم لم يتوقّفوا ليتأنّوا و يتأمّلوا فالقوم ملومون في كلّ حال الأمر الذي ههنا يريده الإمام و أفصح عنه بعد حين هو انهيار السّلطة المركزيّة, يفترض بخلوّ و شغور الزّمان عن الإمام أن يصير النّاس فوضى لأنّه إذا انهارت سلطة الإمامة بمعنى الخلافة على عهده و عصره فقد استقلّ كل أحد بمكانه و حينئذ انهارت السلطة انهيارا مفاجأ كاملا و صار النّاس بلا زمام يقودهم منه حلمائهم و يعودون فيه إلى ما يمكن أن يحجزهم عن الشّرور و أن يقيم بهم أمر الله ربّ العالمين.
إذا الإمام يتكلم في مسألة لا تتنزّل على أهل العصر و إنّما رآها الناس بأعينهم في واقعة الاحتلال الأجنبي للعراق لأنّه لمّا انهارت السلطة المركزية انهيارا مفاجأً انطلقت جميع الرّغبات المكبوتة في النفوس ووقع من الفساد و من النهب و من الشرور لأنّه لا يتصور الإنسان أن يسير بلا ضابط ثمّ يكون ملتزما بأمر الله إلا إذا كان الله ربّ العالمين قد ثبّته و آتاه التقى بمعنى أنّه يسير بلا دين يحجزه و لا قانون يردعه و حينئذ يخبط في الأرض خبط اللّيث بل خبط الذّئاب يفعل ما يشاء كما يشاء من غير ضابط و لا رادع هذا هو انهيار السلطة المركزيّة فأمّا الأطراف فإنّها تصنع ما تشاء و أمّا المركز فقد انهار النّظام فيه انهيارا كاملا هذا ما يريده الإمام و حينئذ لابدّ و قد فرض ذلك الفرض الذي غَمُضَ على القوم أو علموه فأخفوه سواء, هذا الفرض من أجل أن يتوصّل إلى حلّ إشكاله أخذ الإمام يفترض أمورا و يقترح اقتراحات إلى من يعود النّاس في كلّ مكان في كلّ قرية في كلّ نجع إلى أين يعود النّاس في تجمعات النّاس و الإنسان لابدّ له من دين يخشع عنده و لا بدّ له إن لم يكن دين أن يكون هنالك قانون يردعه و يزجره فإذا لم يوجد لا هذا و لا هذا فالناّس في فوضى مريرة و حينئذ يريد الإمام أن يضع حلا لهذا الإشكال الذي وضعه هو و تصوّره فقال( فلو سعى عند شغور الزّمان طوائف من ذوي النّجدة و البأس في نفض الطرق من السُعَاةِ في الأرض بالفساد) تأمّلت الآن فيما يريد قال لمّا انهارت السّلطة و صار النّاس بلا زمام و لا خِطام تنطلق الشّهوات بسعارها المجنون المحموم فلا يكاد أحد يستطيع أن يضبطها و لا أن يوقفها عند حدّ يقول (فلو سعى عند شغور الزّمان بذلك المعنى الذي مرّ ذكره طوائف من ذوي النّجدة و البأس في نفض الطرق عن السُعاة في الأرض بالفساد فهو من أهم أبواب الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر) و هذا لا يُتصوّر في قيام دولة لها نظام, لا يُتصوّر أن يقوم أقوام بتجنيد جنود و عسكرة عساكر لأنّهم يرون أنّ الفساد في الطرق قد وُجد و أنّه قد استشر في الأرض لون من ألوان الفساد فيتولّونهم حينئذ مهمّة نفض الطرق عن المفسدين في الأرض, و هذا كما تعلمون واقع في الأرض التي بارك الله تبارك و تعالى فيها و حولها, ثمّ لا يكون إلاّ الاقتتال بين أصحاب الأرض الواحدة إن لم تجد وجدت الغضاضة من نفسك أن تقول من أصحاب الدّيانة الواحدة و لكن لا يكون ذلك في أمة في دولة لم ينهر يعني ما انهار نظامها المركزيّ و لها ضبط و ربط و لها تصريف بأحوال, و إنّما هذا حينئذ يكون كحكومة الظلّ التي تخرج من الظلّ من أجل أن تكون فاعلة موازية لدولة قائمة بنظامها و هذا بعينه هو أعظم الإفساد في الأرض, هو أعظم الإفساد في الأرض فانظر كيف ظُلم الرّجل رحمة الله عليه يقال لك ارجع إلى الغياثي ارجع إلى الجويني عليه الرّحمة عندما يتكلّم عن القيام بفروض الكفايات, أيّ كفايات؟ يقول( و إنّما يُنهى آحاد النّاس عن شهر الأسلحة استبدادا إذا كان في الزّمان وَزَرٌ قَوَّامٌ على أهل الإسلام فإذا خلا الزّمان عن السّلطان) هل هنالك أوضح من هذا؟ الرّجل يقصد حالة انهار فيها النّظام جملة واحدة فصار النّاس فوضى بلا زمام و لا قانون فأين ذلك من هذا؟ يا لتدليس! يقول ( فإذا خلا الزّمان عن السّلطان) و تأمّل لم يقل خلا الزّمان عن الإمام المستحقّ لأن يكون إماما أجمع عليه أهل الحَلِّ والعَقْدِ إلى آخر الشروط و إنّما قال (إذا كان في الزّمان وَزَرٌ قَوَّامٌ قويّ قَوَّامٌ على أهل الإسلام يُنهى آحاد النّاس عن شهر الأسلحة استبدادا فإذا خلا الزّمان عن السّلطان )و هي الحالة المفروضة و قد رآها النّاس بأعينهم و علموها علم يقين و شاهدوا الفساد و الفوضى قال (وجب البَدَارُ حينئذ على حسب الإمكان إلى درأ البوائق عن أهل الإيمان و نَهْيُنا الرّعايا عن الاستقلال بالأنفس من قبيل الاستحثاث على ما هو الأقرب إلى الصّلاح و الأدنى إلى النّجاح فإنّ ما يتولاه السلطان من أمور السّياسة أوقع و أنجع و أدفع للتنافس و أجمع لشتات الرّأي و في تمليك الرّعايا أمور الدّماء و شهر الأسلحة وجوه من الخبل لا ينكرها ذو العقل), قال ذلك في القرن الخامس الهجري (و إذا لم يصادف النّاس قَوّامًا بأمورهم يلوذون به) هذه هي الحالة التي يتكلّم عنها الرّجل و التي تكلّم بعد ذلك عن فروض الكفايات و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و قطع دابر الفساد الذي يستشري في الطرقات و تلك العصابات المسلّحة التي تنشأ حينئذ لتروّع الآمنين و تسفك الدّماء و تستبيح الأعراض و تنتهك المحارم و تسبي النّساء و تقتل الذّريّة و تهدم الدّور و تخرّب البلاد و العباد هذا هو الذي يفترضه الرّجل و الذي لم يحدث و الحمد لله ربّ العالمين فأين هذا من هذا و أين تحقيق المناط يا عباد الله.
قال( إذا لم يصادف النّاس قوّاما بأمورهم يلوذون به فيستحيل أن يؤمروا بالقعود عمّا يقتدرون عليه من دفع الفساد فإنّهم لو تقاعدوا عن الممكن عمّ الفساد البلاد و العباد) و هذا حقّ لا مرية فيه بشرط أن يتحقق الشرط الذي فرضه الشيخ رحمة الله عليه ( و إذا أُمِروا بالتقاعد في قيام السلطان) يعني بعدم شهر الأسلحة و لا بالاستبداد بها (كفاهم ذو الأمر المهمات و أتاها على أقرب الجهات قال بعض العلماء) كلامه( لو خلا الزّمان عن السلطان) هذا كلامه واضح جدا (فحق على قُطَّانِ كلّ بلدة و سكّان كلّ قرية أن يقدّموا من ذوي الأحلام و النُهى و ذوي العقول و الحِجى من يلتزمون امتثال اشارته و أوامره و ينتهون عن مناهيه و مزاجره فإنّهم لو لم يفعلوا ذلك ترددوا عند إلمام المهمّات و تبلّدوا عند إضلال الواقعات) رأيت شرطه؟ عند انهيار السلطة المركزيّة و غياب السّلطان المطلق على أهل كل مَحَلَّة و على أهل كلّ قرية و مكان أن يفيئوا إلى ذوي الأحلام و النُهى و ذوي العقول و الحِجى يلتزمون امتثال إشارته و أوامره متى؟ في كهوف الظّلام؟ بالدّعايات المرسلة التي تبنى على التكفير و الخروج و هما توأمان عقيمان لا يخرج منهما إلاّ خراب البلاد و دمار العباد متى يكون ذلك؟ متى يؤمر طلاب العلم المساكين بأن يكون لهم في كلّ قرية و في كلّ نجع مُقَدَّمٌ يعطونه السمع و الطّاعة و صفقة ذات اليد و ما يزال الأمر متسلسلا حتى يصل إلى منتهاه بتلك السلسلة البغيظة التي طرفها بيد الشيطان (و مما يجب الاعتناء به أمور الولايات التي كانت منوطة بالولاّة كتزويج الأيامى و القيام بأموال الأيتام) كلّ ذلك عند شغور الزّمان من السّلطان هل هنالك أوضح من هذا؟ ثمّ يلبّس على طلاب العلم من أهل الحقّ من يلبّس و يأتيهم بأمثال هذه الخزعبلات التي هي إن كانت مكشوفة معلومة لمن قال بها فهو ممن يمكن أن يقال فيه ساقط بمرّة بل هو من أهل الغشّ لدين الإسلام لا يؤتمن على علم و لا يؤتمن على فروج و لا دماء بفتوى منتنة عفنة لا تدفع إلاّ إلى الفوضى فاتّقوا الله عباد الله, (إن كان في الزّمان عالم يتعيّن الرّجوع إليه) يعني عند خلوّ الزّمان من السّلطان لانهيار السّلطة مطلقا (في تفاصيل النقد و الإبرام و مآخذ الأحكام فهو الذي يتولى المناكح التي كان يتولاّها السّلطان إذ كان), أيّ وضوح هو أوضح من هذا؟ و أيّ تلبيس قبيح؟ و الله لو فعلها أقوام في دوائر الاستخبارات الصهيونيّة و الصّليبية ما استغربنا ذلك و لكن يصنعها أقوام يتشدّقون بأنّهم يريدون للأمّة الخير و هم يدفعونها دفعا إلى طريق الفساد و الفوضى و الشرّ فهذا أمر لا ينقضي منه العجب و الله الموعد و لا حول و لا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.
( فإذا خلا الزّمان و تحقق من موجب الشّرع على القطع و البتّ استحالت تعطيل المناكح) حتى ذلك الذي يؤذن له بأن يقوم بتوثيق العقود إبراما و حلاًّ تزويجا و تطليقا لو خلا ذلك و لا يخلو منه الزّمان كما قلنا إلاّ عند انهيار السلطة انهيارا كاملا بحيث لا يوجد في الأرض ظل لسلطان( فالذي كان نفوذه من أمر المحكّم مجتهدا فيه في قيام الإمام في قيام الإمام يصير مقطوعا به في شغور الأيام و هذا إذا صادفنا عالما يتعيّن الرّجوع إلى علمه و يجب إتباع حكمه فإذا شغر الزّمان عن الإمام و خلا عن سلطان ذي نجدة و كفاية و دراية فالأمور موكولة إلى العلماء و حقّ على الخلائق على اختلاف طبقاتهم أن يرجعوا إلى علمائهم و يصدروا في جميع قضايا الولايات عن رأيهم فإن فعلوا ذلك فقد هُدُوا إلى سواء السبيل و صار علماء البلاد وُلاة العباد) لأنّه لا ولاة و لا سلطة أيّ شبهة هنا؟ أيّ شُبهة؟الذي يذهب إلى أمثال هذا الكلام لكي ينزّله على الواقع لا يعود إلاّ بقبظتين من ذباب, ويحك أنظر ما في يديك لم تحصّل شيئا و إنّما جئت بمعرّة الأبد (فقد هُدوا إلى سواء السبيل و صار علماء البلاد وُلاة العباد) يعني يقيمون فيهم حدود الله ربّ العالمين فهل هذا إلى العلماء؟عند وجود السلطان؟حتى ولو عطّل تلك الحدود؟للخروج عليه و أهل السنّة يرون ذلك محرّما في كلّ حال لأنّهم يشترطون لذلك شروطا من الجانب النظريّ يمكن أن تسرد و من الجانب العملي لا تتحقق فيؤول الأمر في المنتهى إلى مؤدًا واحد بين من يقول بالتكفير و من لا يقول به و( إن كثر العلماء في النّاحية فالمُتّبع أعلمهم و إن فُرض استوائهم ففرضهم نادر لا يكاد يقع) أن يكونوا على استواء هذا أمر نادر (فإن اتفق فإصدار الرأي عن جميعهم مع تناقض المطالب و المذاهب محال فالوجه أن يتفقوا على تقديم واحد منهم فإن تنازعوا و تمانعوا و أفضى الأمر إلى شجار و خصام فالوجه عندي في قطع النّزاع الإقراع فمن خرجت له القرعة قُدِّم) لمّا افترض خلوّ الزّمان من السلطان القائم و لو كان مستبدا غشوما ظلوما تُحفظ به السبل و تُؤمّن به الأعراض جملة و تُرفع في عهده على المنائر ألفاظ الأذان و تُؤدّى الجماعات و الجمعة و يكون أم الدّين ظاهرا إلى غير ذلك إن خلا الزّمان من ذلك فقد افترض الإمام عليه الرّحمة فرضا و هو أنّه ينبغي على النّاس أن يعودوا إلى العلماء و حقّ على النّاس أن يعودوا إلى العلماء و لكنّه أقام العلماء مقام الوّلاة عند شغور الزّمان من السلطان فجاءه إشكال هو يعرفه قال فإن كانوا غير مستوين علما و عملا و حالا قال يقدّم أعلمهم و أفضلهم فإن استووا قال يقرع بينهم فإن تنازعوا فماذا يمكن أن يكون حينئذ الأمر كما هو معلوم عند إطلاق اليد بالخروج ولا يكون إلا مُفَرّخًا عن التكفير هذا الخروج الذي تأباه قواعد أهل السنّة سلفا و خلفا و لم يقل به عالم من أهل السنّة من أهل الاعتبار لا من أهل السنّة الذين يتبعون الكتاب و السنّة على فهم السلف الصالح عليهم الرضوان و لا قال بذلك الماتُرِيدِيّة و لا قال بذلك الأشعريّة, لم يقل به واحد من هذه الطوائف الثلاث و هم يجمعهم عند علماء العقائد لفظ ينطبق على طائفة واحدة و لكنّه يشمل عند علماء الكلام المجموعة و هو لفظ أهل السنّة لم يقل واحد من علماء أهل السنّة باختلاف تلك الطوائف المذكورة من حقّ و باطل لم يقل عالم من أولائك العلماء بجواز الخروج على الحاكم و لو كان كافرا إلاّ:
1. إذا كان كفره بواحا مقطوعا به من أهل الحل و العقد و من العلماء المعتبرين
2. و أن يكون بيانا لا اختلاف فيه ببرهان ساطع لا يمكن أن يماريَ فيه أحد
3. و أن يكون العلماء المعتبرون قد قظوا بتحقق المصلحة وانتفاء المفسدة انتفاءا كاملا
4. و شرط رابع لابد من توفّره و هو تملّك العدّة التي ينبغي أن تُتَمَلّكَ لإزاحته عن موضعه من غير ما إفساد في الأرض ولا إخلال بمصالح العباد و هذا نظريّ كما قال العلماء فيعود المؤدّى في النهاية إلى أمر واحد و هو تحريم أهل السنّة و الجماعة من علمائهم سلفا و خلفا للخروج بأيّ صورة و الخروج يشمل الكلمة كما يشمل الكتابة كما يشمل الخطبة للتهييج كما يشمل الثورات كما يشمل الاعتصامات و المنشورات و المظاهرات كلّ ذلك مخالف لاعتقاد أهل السنّة لم يقل به عالم معتبر من السلف ولا من الخلف و الغريب أنّ الذين يقولون بذلك يتّبعون مذهب الأشعريّة في التأويل و التعطيل و لكنّهم يخالفون مذهب الأشعريّة في مسألة الخروج و التكفير و هذا عجيب جدا, ولكن إذا لم تتوفّر هذه الشّروط فقد حرّم العلماء عليهم الرّحمة مسألة الخروج و لو بالكلمة فقال عليكم بالنُّكْرَةِ في قلوبكم لأنّ الولاء و البراء سيعود في المنتهى إلى أمر القلب وحده هنا, لأنّه لو تعدّى القلب كان خروجا و الخروج ممنوع كما قال علماء أهل السنّة حتى إنّ الكلمة أتى بها زعيم الخوارج الذين خرجوا من ضِئْضِئِه بين يدي النبي صلى الله عليه و على آله و سلّم قال اعدل يا محمد هذه قسمة ما أُريد بها وجه الله فإن لم يكن هذا خروجا على رسول الله أتى به هذا الذي خرج الخوارج من ضِئْضِئِه و على مثاله فليس في الدّنيا خروج و هذا خروج بالكلمة كما ترى المهمّ أنّ الإمام الجويني لمّا افترض ما افترض من شغور و خلوّ الزّمان من الإمام راح يضع الحلول فقال يعودون إلى الأعلم في كلّ قرية و محلّة فإن وُجد هنالك من أهل العلم من ينازع في هذا الأمر فليقترعوا فإن لم يرضوا وتبع هذا فيلق و فريق و تبع هذا فيلق و فريق ثمّ لم يرضى هذا بحكم هذا و لم يرضى هذا بحكم هذا فيقع التناحر بين هؤلاء الذين يُؤمّل فيهم أن يكونوا عصمة لأهل المكان من وقوع الشّرور فلا تقع الشّرور إلا بسببهم أفيكون ذلك جائزا حينئذ؟ تماما كالذين يقولون أخذا من كلام الجويني عليه الرّحمة إنّه لا حرج من تعدد الجماعات الدّاعية بزعمها إلى الله ربّ العالمين و إن تخالفت مناهجها يقولون إفكا و زورا مادامت في المنتهى محكومة بإطار أهل السنّة و أين قواعد أهل السنّة عند أولائك منهم من يبايع على أربعة طرق صوفيّة و هي صوفيّة عصريّة منكورة مستقبحة وفيها من الطّامات ما فيها و من البلايا ما يكتنفها و يحتويها و أخرى أنشأها صوفيّ و سارت على منهجه و أنتجت أمرا لا يمكن أن يقبل عند رجل شمّ من العقيدة شيئا بأَثَارَةٍ من علم وهو تقارب بين من يكفّرون الأصحاب رضوان الله عليهم و يتهمون النبيّ صلى الله عليه و على آله و سلّم في إبلاغه للأمّة و آدائه للأمانة و منهم الذين يتقرّبون إلى الله ربّ العالمين بسبّ أصحاب النبيّ في الطّواف ومنهم الذين يبصقون على قبري الشيخين عليهما الرّضوان و منهم الذين يرمون عائشة رضوان الله عليها بالإفك و الفاحشة رضوان الله عليها و قد برّأها الله ربّ العالمين و يأتي من يأتي فيقول ليس بيننا و بينهم من خلاف إنّما هو خلاف يسير و هم إخواننا و الذي بيننا و بينهم من الخلاف يقول هو أنّهم يقولون أنّ القرآن الذي بين أيدي أهل السنّة هو بعينه عندنا و لكن يزيد عندنا قرآن ليس عند أهل السنّة يقول هذه مسائل يسيرة اختلف فيها القوم و اختلفنا معهم فيها, هذه يسيرة؟ من قال أنّ القرآن قد نقص حرفا أو زاد حرفا فقد كفر بما أنزل على محمد, ما هذا؟على مثل هؤلاء يمكن أن تؤسس أمّة تسوس الأرض و تسوس العباد و تنظّم البلاد؟ ما هذا؟ الإصلاح إصلاح العقيدة, الحاصل أنّ الجويني عليه الرّحمة لمّا قال ما قال أتى من أتى بغرض و مرض أو بغفلة و سهو فاستخرج من كلامه كلاما لا يحتمله كلام الرّجل بحال وقال إنّه يجوز في جملة أدلّة أتوا بها أن يكون في الإطار العام من يذبح لغير الله و من يطوف بغير بيت الله ربّ العالمين و من يسبّ الصحابة و يكفّرهم و يدّعي أنّ الأمر لم يكن نازلا على محمد صلى الله عليه و سلّم وينتظم من يقول إنّ عليّ فيه جزء إلهيّ و منهم من يقول بالعصمة للأئمّة المتبوعين و أنهم ظلّ الله ربّ العالمين في الأرض إلى غير ذلك من الطّامات التي يبيّتون لها بليل من هدم الكعبة و إقامة بنيانها بعد ذلك على النحو الذي ترضاه عقيدتهم و من نبش قبري الشيخين و استخراج جسديهما الطّاهر من جوار رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلّم إلى غير ذلك, و على مدار التاريخ لم يكن هنالك من خطر على هذه الأمّة هو أعظم من الخطر الذي يتأتى من الرّوافض هم أعظم خطر في القديم و في الحديث و في المستقبل على أهل السنّة من اليهود و النصارى بل و من المشركين الأصليين فيا ليت قومي يعلمون يأتي من يأخذ من كلام الشيخ من يجعله حجّة له في ضمن حجج زائلة منقوضة بجواز تكوين الجماعات و تأسيسها و أقول لك إنّ هذا الأمر مبنيّ على السمع و الطّاعة فمن أين أتيا؟ من أين أتى السّمع و الطّاعة؟ و ما يزال يرتقي الحال بالواحد منهما في العمل التنظيميّ, في العمل التنظيميّ العمل الجماعي في دين الله ربّ العالمين بإطلاقه لا ينكره مسلم, هذا الذي نحن فيه عمل جماعي, يُرفع الأذان للصّلاة و يأتي النّاس و يقوم رجل لكي يعض النّاس و يذكرهم فهذا عمل جماعيّ ثمّ يؤمّهم في الصّلاة و في الجماعات في الصّلوات الخمس و في الأعياد و في الحجّ و في الجهاد و لكنّه عمل جماعي تنظيميّ؟ ليس كذلك و حاشى لله, و أمّا العمل الجماعيّ التنظيميّ فمبناه على التكفير و الخروج بالانحياز جانبا و إن لم يعلن ذلك فاجعله منك دائما على ذُكر فهذا خبيره أمير و له أتباع فهذا مسؤول في مكان و عليه بالدّعوة تأتيه المنشورات و تأتيه المصوّرات و هو يدعو يجلس في المساجد مساجد المسلمين لكي يخرّب أحوال المسلمين على المسلمين و عقائد المسلمين على المسلمين و الأمر لله ربّ العالمين بالانحياز جانبا بالسمع و الطّاعة ثمّ بعد ذلك عندما يحين الحين على حسب ما يرونه تكون الكلمة كلمة السرّ للخروج فيخرجون فإذا خرجوا أهلكوا البلاد و العباد و الأمر لله ربّ العالمين من قبل و من بعد و أسأل الله ربّ العالمين أن يرحمنا و إيّاكم دّنيا وآخرة و صلى الله و سلّم على نبيّنا محمّد.


الخطبة الثانية

الحمد لله ربّ العالمين و أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له هو يتولّى الصّالحين و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و سلّم صلاة و سلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدّين
أمّا بعد
فلقد يدور في ذهن من هو خالي الذّهن سؤال يثور لا يُطعن بذلك السّؤال في نيّته و لا قصده, قد يدور سؤال في ذهن من هو خالي الذّهن يدور و يثور يدمدم يروح و يجيء لِمَا التركيز على هذا الأمر في هذا الوقت بالتحديد؟ و هو سؤال وجيه و يُحْمَلُ على محامل حسن الظنّ بلا خلاف و لن أجيب عليه إلاّ بقول القائل في المثل العربيّ القديم "العاقل من وُعض بغيره" فإن لم تكونوا آخذين بقواعد اعتقاد أهل السنّة و في النّاس من يدّعي أنّه بها قائم و لها آخذ فإن لم تكونوا كذلك فاعتبروا يا أولي الأبصار و تحمّلوا مسؤوليّتكم و تأمّلوا في أحوال أهل الأقطار و أهل الأمصار ممن جرّ عليهم الخروج على قواعد اعتقاد أهل السنّة الويل و الثبور و الدّمار تأمّلوا و اعتبروا فهذه تجربة يرويها رجل عاصرها و شاهدها في الجزائر الحبيبة و ما أشبه الليلة بالبارحة و إذا منّ الله ربّ العالمين عليك فكشف عنك غلاة العقل و أنفذ إلى القلب شعاع البصيرة لكي يذيب ما هنالك من ثلوج الجمود على أقوال من لا يستحقّ أن يُتّبع علمت علم ما أقول واقع مشهود منظور ما زال محفوظا لمن أراد أن يراه رأي العين بمشاهده قال لقد عاشت الجزائر منذ استقلالها عن العدوّ الفرنسيّ الكافر أيّام فتنة في دينها و دنياها أمّا الدّين فلأنّ الاستعمار لم يترك لها سوى رواسب الشرك و شعائر البدع و لو لا أنّ الله سخّر لأهلها جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريين و كانت على منهج أهل السنّة اعتقادا و عملا لما بقي فيهم من يفرّق بين شرك و توحيد و لا بين سنّة و بدعة إلاّ ما شاء الله و أمّا الدنيا هذا الدين و أمّا الدنيا فقد كان للسرقة أثر مقلق حتى إنّ الرّجل ليتحاشى أن يحمل معه فضل مال على نفقته اليوميّة و هو يريد امتطاء النقل الجماعي و كان من غرائب المناظر أن ترى على المرأة حِليتها إذا خرجت من بيتها خشيت أن تغتصب منها نهارا جهارا فما لبث الأمر أن تديّن النّاس حتى أمنوا على أموالهم و نسوا ما كان أقلقهم من قبل لمّا عملت جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريين رحمة الله على علماءها في الدّعوة إلى التوحيد و بيان أمور الاعتقاد الصحيح أصلح الله ربّ العالمين البلاد و العباد فما لبث النّاس أن تديّن أكثرهم حتى أمنوا على أموالهم و نسوا ما كان أقلقهم من قبل و جاءت أيّام رخاء و أمن و تديّن قويّ حتى إنّ الرّجل ليجوب البلاد شرقا و غربا لا يخاف على نفسه إلاّ الذئب بل لا يفكّر أين يؤويه المبيت لأنّ الشعب الجزائريّ شعب اجتماعيّ متكافل, و مرّ به زمان لا تكاد تصادف فيه فقيرا متسوّلا, أمّا عن الدّين فقد انتشر فيها قبل هذه الفتنة يعني ما وقع من أمر الاقتتال و إراقة الدّماء انتشر فيها قبل هذه الفتنة التوحيد و السنّة و انحسر نشاط طرائق الشرك و البدعة انحسارا شديدا و رجعت المرأة إلى خدرها ووجدت شرفها في سترها و تُرِكَت الخمور في كثير من الأحياء و ازدحمت المساجد بأهلها حتى كان الرّجل لا يستطيع أن يأتي بسنّة التورّك في الصّلاة لشدّة الزّحام في المساجد و دخل الدين كلّ بيت و عضّ العدوّ الأنامل من الغيظ, ثمّ انتبه العدوّ كأنّ الرّجل يحكي حال مصر إلى أواخر السبعينيات عندما دخل النّاس في دين الله ربّ العالمين أفواجا على منهج أهل السنّة و كانت تلك الجماعة قد أفل نجمها و خفت صوتها و ليس لها من نشاط دعويّ فلمّا عاد النّاس إلى الدّين عادوا على مقتضى الكتاب و السنّة عشنا ذلك و عاصرناه و شرّفنا الله ربّ العالمين بالدّعوة إلى دينه على ذلك المنهاج إلى يوم النّاس هذا و نسأل الله أن يتم لنا ما بقي من الحياة بخير و في ستر حتى نلقى وجه ربّنا الكريم, استقرّ الأمن و عمّ الأمان ووجدت المحبّة و أصبح الهدي الظاهر في الرّجال و النّساء ظاهرا و دخل الدّين كلّ بيت و هدأت الأنفس و استقرّت الأمور و عمّ الخير حتى تسللت الحزبيّة البغيظة بالجماعات المتسللة لتأخذ الرّؤوس التي كانت معروفة حينئذ بالعصبيّة في الدّعوة و الحماسة في القول فاستقطبتها استقطابا فمن جماعات تحمل السّلاح و تريق الدّماء و تسيلها أنهارا ثمّ يمضي ما يقرب من ربع قرن من الزّمان بعد خراب البلاد و هلاك العباد و إسالة الدّماء ليخرجوا هم المنظّرون لكي يقولوا آسفون كنا خاطئين و من يتحمّل وزر الدّماء المسفوحة و الأعراض المستباحة و الأمن الذي ذهب و الترويع الذي حلّ من يتحمّل هذا كلّه كأنّه يحكي عمّا كان فكان ماذا؟ قال فاستفزّ العدوّ من الشعب أصلبه عودا و أشدّه جمودا و أوقد نار الفتنة بينهم و بين دولتهم فتقلّص ظلّ الدعوة النبويّة و حلّ محلّها خطب نارية تهييجيّة حتى ولد منها مولودان لا يُدرى أيّهما سبق الآخر أحدهما الخروج على الحكّام و ثانيهما التكفير و التكفير و الخروج رضيعا لبان واحد و ربّيا في حجر واحد ما حلاّ ديار قوم إلاّ تركوها بَلاَقِعَ يا صاحبي و هذا حقّ أفلا تتعضون ألا تعتبرون؟ و دخلنا فتنة يقول طال منها الأمد حتى شاب منها الوالد و ما ولد فاستحال أمن البلاد إلى رُعب و عمرانها إلى خُرب و باتت مساجدها الآمنة مسارح للإرهاب و سالت من دماء هذه الأمّة المسلمة أنهار غزار فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلّم "و الذي نفسي بيده ليأتينّ على النّاس زمان لا يدري القاتل في أيّ شيء قَتَلْ و لا يدري المقتول على أي شيء قُتِلَ" رواه مسلم في صحيحه فبدأ بالتهييج السياسي على المنابر باسم التوعية الإسلاميّة هذا ما حدث في الجزائر فأدّى إلى ما أدّى إليه من إسالة الدّماء في الشوارع أنهارا و ما كان هنالك من قتل بالفؤوس و تقطيع للأعضاء بالفؤوس أمام العائلة و هي تنظر إلى عائلها يُفعل به ذلك إلى غير ذلك من سبي النّساء لأنّهم يكفّرون هؤلاء النسوة فإذا هنّ سبايا و هنّ حلال فليُأخذن هنالك في الكهوف المظلمات و ليكن ما يكون و نشأ جيل بعد ذلك من سفاح ما زال إلى يوم النّاس هذا يعاني ما يعاني من تلك الأمراض الكبار فبدأ بالتهييج السياسيّ على المنابر باسم التوعية الإسلاميّة و تثنية بالتعبئة الجماهريّة باسم المحافظة على الهويّة الإسلاميّة و تثليثا بالخروج على الحكّام باسم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و تربيعا بتكفير المسلمين باسم الولاء و البراء و تخميسا بالتفجيرات العشوائيّة و المجازر الجماعيّة باسم الجهاد هذا الذي شيّب رؤوس المصلحين و شاب بكدر عظيم صفاء دين المسلمين حتى شوّه صورته لدى أعدائه بسبب فساد تصرّف أدعياءه و إنني لأتعجّب كلّ العجب من قوم يباركون الفتنة القائمة في وطننا العزيز الجزائر يقول الرّجل لأنّ أهل الفتنة و التهييج بتلك الخطب الحماسيّة و الفتاوى غير المسؤولة التي لم تبنى إلاّ على الجهل و التهوّر من أقوام هم حُدَثَاءُ الأسنان ليسوا بقعيدين في العلم بحيث يُسْتَفْتَونََ عند حلول النّوازل كانوا يباركون ما يحدث و يقولون إلى الأمام إلى الأمام يا رجال و الدّماء في أعناق هؤلاء يأتون بها يوم القيامة إن شاء الله ربّ العالمين يقول و ما هي إلاّ ديار المسلمين تركوا حبلها في اضطراب و أبنائها في احتراب و لو كان هذا من كافر واضح لزال العجب فالعدوّ الخارجيّ حيّ لا يألونا خبالا و لا يدّخر عنا وبالا تلك سنّة معلومة إلاّ أنّ المقلق حقيقة هو قابليّة المسلمين للتآكل الدّاخلي حتى كانت كوخز الإبر في المضاجع

الخطب خطب فادح و العيب عيب فاضح
و عارنا في النّاس لا تحمله النّواضح

ثمّ لا غنى لسائر الأقطار الإسلاميّة عن هذه الرسالة لأنّ البلاء واحد و المسلمون لحمة واحدة فهل وعى قومي؟ ليت قومي يعلمون أسأل الله أن يهدينا جميعا سواء الصّراط و أن يحسن لنا جميعا الختام اللهم أحسن لنا الختام أجمعين يا ربّ العالمين أحسن لنا الختام أجمعين يا ربّ العالمين اللهم أرنا الحقّ حقا و ارزقنا إتباعه و أرنا الباطل باطلا و ارزقنا اجتنابه و أحيينا مسلمين و توفنا مؤمنين و ألحقنا بالصالحين و صلى الله و سلّم على نبيّنا محمد صلى الله عليه و سلّم و أقم الصّلاة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
محاضرة و في أحداث الجزائر عبرة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أهل السنة و الجماعة  :: الفئة الأولى :: منبر القضايا المنهجية-
انتقل الى: