الشيخ صالح آل الشيخ يجيب عن شبهة وجود قبر النبي-عليه الصلاة والسلام- في مسجده ، بدقة متناهية
________________________________________
هذا سؤال وجه للشيخ صالح آل الشيخ في شرحه على العقيدة الطحاوية .
السؤال :
هل صحيح أنّ النبي ( بنى مسجده فوق مقبرة؟ إن كان نعم فكيف يُجمع بين نهيه ( الذين اتخذوا القبور مساجد.
الجواب :
النبي ( لما بركت النّاقة في موضع مسجده الآن كان فيها مواضع قبور للمشركين، فأمر النبي ( يعني بجزءٍ منه أمر بالقبور فنبشت واتُّخذ هذا المكان مسجدا.
والمقبرة إذا كانت موجودة وبُني على القبر مسجدا فهذا هو الذي جاء فيه النهي.
نبش القبور للمصلحة الشرعية هذا جائز، ولهذا النبي ( امتثل الأمر وبنى في ذلك المكان مسجدا.
وإن كان يَعني بُني مسجدا فوق مقبرة كان يعني بُني المسجد على قبر النبي ( فإن آخر السؤال يدل عليه، وإن كان لها حكم المبرِّئ إيش القائل بذلك وإلى آخره.
إذا كان المقصود أن النبي ( بني مسجده على قبره فهذا غلط كبير، النبي ( بُني مسجده في حياته، وهو لما توفي عليه الصلاة والسلام دفن في حجرة عائشة كانت ملاصقة للمسجد وليست من المسجد.
ولما احتاج المسلمون إلى توسعة المسجد لضيقه بالناس وُسِّع من الجهة الجنوبية ومن الجهة الشمالية ومن الجهة الغربية، وأما الجهة الشرقية التي فيها حجرات أزواجه عليه الصلاة والسلام ومنها حجرة عائشة بالخصوص، فما كان يؤخذ منها إلا لما احتيج، وبقيت حجرة عائشة التي فيها القبور على ما هي عليه، فكانت حجرة عائشة ليست من المسجد وإنما المسجد من جهاتها الثلاث وليست حجرة عائشة بالوسط.
وبقي المسلمون على ذلك زمانا طويلا حتى أُدخل في عصور متأخرة -أظن في الدولة العثمانية أو قبلها- أُدخل الممر الشرقي وذلك بعد شيوع الطواف بالقبور، أدخل الممر الشرقي يعني وُسِّع يعني جهل الحائط يدور على جهة الغرفة الشرقية، صار فيه هذا الممر الذي يمشي معه من يريد الطواف.
وهذا الممر وإن كان السور سور المسجد من تلك الجهة خلفه لكن ليس له حكم المسجد ولا يقال القبر في المسجد إلى الآن، ولا يقال الحجرة الآن في المسجد وإن كان ظاهرها من حيث العين أنها في المسجد؛ لكنها حكما شرعا ليست بمسجد؛ لأن الجهة الشرقية هذه الممر لا يصحّ أن يكون مسجدا شرعا، فلذلك إدخاله في المسجد باطل، ولذلك الصلاة في الجزء ذاك لا تصح، ولهذا يعمل في كثير من الأحيان أنها تسدّ وقت الصلاة، سد الجهة من ذلك الممر حتى ما يصلي المصلون من جميع الجهات.
ولذلك لما جاء في التوسعة الأخيرة توسعة الملك فهد لم يبتدأ في التوسعة من أول المسجد الأصلي وإنما ابتدئ بعد نهاية القبر؛ يعني من نهاية الحجرة بكثير وبعد الباب وصار الامتداد هناك.
فإذن الواقع الآن يعني من حيث التاريخ ليس المسجد مبني على القبر، هذا أولا.
الثاني أن القبر لم يدخل في المسجد وإنما اكتنفه المسجد من الجهات الثلاثة جميعا.
الأمر الثالث الجهة الرابعة الشرقية من الحجر هذه أدخلت في عصور متأخرة لما شارع الطواف بالقبور، ولما قامت الدعوة ووصلت الدولة السعودية إلى ذاك المكان، واستفتي أئمة الدعوة في ذلك فلم يروا تغيير السور وتقطيع المسجد حتى ما تثار أشياء وإنما قالوا الوقف الجزء هذا الصلاة فيه باطلة فيمنع الناس من أن يصلوا فيه الذي هو الممر الشرقي للقبر.
فإذن من كل جهة لا ينطبق عليه أن القبر هذا في المسجد، ولا أن المسجد بني على القبر، وإنما هذا ( دفن في حجرة عائشة لا في المسجد، وحجرة عائشة رضي الله عنها منفصلة عن المسجد وليست في داخل المسجد.
بقي أيضا أنه لما وُسِّع المسجد من الجهة الشمالية واشتُريت بعض حجرات النبي (؛ يعني التي هي من جهة دكة الآغوات وما هو شمال منها، كانت الحجرة حجرة النبي عليه الصلاة والسلام حجرة عائشة جُعل عليها جداران:
الجدار الأول الذي هو يفصل حجرة عائشة عن بقية الحجر هذا الجدار الأول، وهذا الجدار له صفته، يمكن تشوفونها في الخرائط موجودة.
وجعل جدار آخر أيضا مثلث؛ جعل جدار آخر بعد هذا الجدار من الجهة الشمالية صار زاوية في اتجاه السهم كأنه يتجه إلى الجهة الشمالية، فعل ذلك من فعل من العلماء في ذاك الزمان من التابعين وغيرهم حتى لا يَظن أحد أنه يمكن أن يستقبل القبر، لا يُتصور أن القبر أمامه وأنه الآن هو يستقبله، يصير فيه الآن جدران محرفة ويبعد النظر أنه يستقبل القبر.
ثم بعد ذلك عُمِل جدار ثالث، والجدار الثالث هذا طويل يعني طوله في السماء يعني ارتفاعه نحو ستة أمتار ونحو ذلك، فهو غير مسقوف أيضا.
فهذه الجدران الثلاثة فعلها المسلمون ما كون الحجرة ليست في المسجد حتى لا يظن الظان أنه إن صلى في الجهة الشمالية أنه يستقبل القبر؛ لأنه إنْ صح ذلك يقال لا نستقبل القبر مع وجود هذه الجدران الثلاث بينه وبين القبر فمعناه كل إنسان بينه وبين المقبرة جدران فإنه يستقبل القبور، وهذا لا قائل به من أهل العلم، فلهذا جعلوا هذه الجدران الثلاثة حتى لا يُتّخذ قبره مسجدا يصلى فيه ولا يصلى إليه، وحتى لا تتعلق القلوب به، ولا يوصل إلى قبره، ولا يمكن لأحد أن يخلص إلى قبره، ليس هناك أبواب وليس هناك طريق أبدا أن يخلص واحد أن يخلص إلى قبر المصطفى عليه الصلاة والسلام.
ثم بعد أزمان جُعل هذا السياج الحديدي الموجود الآن، فهو الرابع الآن، هذا الياج الحديد الرابع بينه وبين الجدار الثالث ممر، والجدار الثالث هذا هو الذي ترون عليه السترة الخضراء أظن أو شيء، وبعده جدار ثاني وبعد الجدار الثاني الجدار الأول.
وهذه الثلاثة الجدران هي التي ذكرها ابن القيم في النونية بقوله:
فأجاب رب العالمين دعاءه وأحاطه به ثلاثة الجدران
يعني بدعاء النبي ( «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد».
المقصود من هذه المسألة من مهمات المسائل أن تكون واضحة عند طالب العلم تماما؛ لأن الشبهة بها كبيرة، والذين يرددون مثل هذا الكلام كثير.
فلهذا نقول: إن القبر ليس في المسجد، ولا يمكن لأحد أن يستقبل القبر، وإنّما قد يتّخذ بعض الجهلة أو بعض المشركين في قلبه صورة القبر ويستقبل شيئا في قلبه ويأخذ شيئا في قلبه، أما القبر فإنّه ليس وثنا ولا يمكن أن يُتّخذ وثنا وأنه محاط بإحاطات تامة إلى آخر ذلك.
والقبة الموجودة فوق سطح مسجد النبي عليه الصلاة والسلام هذه ليست على القبر بالمسامتة إنما هي على جزء كبير تشمل الجدران الأربعة كلها، ولذلك لأن قطرها كبير جدا والقبر في الداخل، وهذه القبة كانت في زمن مضى من الخشب بلون الخشب أول ما صنعها أظن المماليك، ثم بعد ذلك جعلت باللون الأبيض، ثم جعلت باللون الأزرق، وهي التي كانت في وقت الشيخ محمد بن عبد الوهاب ونحوه كان لونها أزرق، ثم في آخر عهد الدولة العثمانية جُعل لونها أخضر واستمر هذا اللون.
فلما قيل للشيخ محمد بن عبد الوهاب أنك تقول: لو أني أقدر على قبة النبي عليه الصلاة والسلام القبة التي على قبر النبي ( لهدمتها؟ قال: سبحانك هذا بهتان عظيم فما قلت هذا ولا أقوله. لأنه ما يترتب من المفاسد على إزالة هذا المنكر أكثر من المصالح، فالواجب التنبيه وتعليم الناس ودعوتهم إلى التوحيد وعدم تمكين الشرك، والنّهي عن بناء القباب على المساجد نُهي عنه سدا للذريعة، وللعلماء في ذلك كلام يعني في مسألة بقاء القبة.
المقصود أنّ هذا الذي سار عليه أئمة الدعوة رحمهم الله في هذا الشأن فرأوا أن إبقاء القبة أن هذا أمر لازم، وذلك لما أشاعه الأعداء من بُغض أئمة الدعوة وبُغض أتباع دعوة الشيخ رحمه الله للنبي (؛ بل عظّموا النبي عليه الصلاة والسلام وسدّوا كل طريق يمكن أن يؤصل ما قالوه في هذا الباب؛ يعني ما قاله الأعداء.
... إذا كان القبر في مقبرة مستقلة عن المسجد فإن الصلاة في المسجد جائزة إذا كان في القبلة، بمعنى أنه يكون للقبر سور مستقل عن سور المسجد، فإذا قال القائل لا القبر في المسجد أو هذا السور محيط، أو أن القبر واضح أنه في جهة من المسجد فهذا يدلّ على أن المسجد بُني على القبر فلذلك لا تجوز الصّلاة فيه، والصلاة فيه باطلة.
وأما إذا كان المسجد وجد أولا ثم القبر أدخل فيه، هذا يفرّق فيه ما بين إذا كان القبر في قبلة المسجد أو في مؤخرة المسجد، فإذا كان في مؤخرة المسجد فطائفة من العلماء والمشايخ يقولون: إن الصلاة فيه جائزة. وأما إذا كان في القبلة فإنّه لا تجوز الصلاة إليه؛ لأن النبي ( نهى عن الصلاة إلى القبور.
فإذن هنا يفرّق في هذه الحال ما بين إذا كان المسجد جُعل على القبر؛ يعني إذا كان المسجد متأخرا والقبر أولا فيكون هذا حكم المقبرة يعني المسجد وضع على قبر فهذا الصلاة فيه لا تجوز؛ لأن هذا منهي عنه والنهي يقتضي الفساد ولعن النبي ( من فعل ذلك.
وأما إذا كان المسجد موجودا ثم جُعل في طائفة منه القبر:
فأولا نقول إذا كان القبر في الأول في مقدمة المسجد فإن الصلاة محرمة ولا تجوز باطلة لأن النبي ( قال «لا تصلوا إلى القبور» الصلاة إلى القبر جعل القبر قبلة باطلة.
وإذا كان القبر في مؤخرة المسجد والمسجد مبني أولا فطائفة من العلماء يقولون بصحة الصلاة فيه، يعني من علمائنا.