aبسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد :
فهذا بحث حول حكم التحية بالإنحناء في الألعاب الرياضية كالكراتيه وغيرها .
والكلام فيه على :
- الأحاديث الواردة في ذلك
- أقوال أهل العلم في الانحناء في التحية
الأحاديث في ذلك:
روى الترمذي في كتاب الأدب ، باب ما جاء في المصافحة برقم (2728) بإسناد حسن عن أنس رضي الله عنه قال : قال رجل : يا رسول الله ، الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه ، أينحني له ؟ قال " لا " قال : فيلزمه و يقبله ؟ قال "لا " فيأخذه بيده و يصافحه ؟ قال ." نعم " و الانحناء في معنى الركوع فلا يجوز إلا لله عز وجل .
وفي رواية ابن ماجه في كتاب الأدب ، باب المصافحة ، رقم (3702)
من حديث أنس قال : قلنا يا رسول الله أينحني بعضنا لبعض ؟ قال : " لا " قلنا : أيعانق بعضنا بعضا ؟ قال " لا "، ولكن تصافحوا " .
حسنه الشيخ الألباني دون فقرة المعانقة[ الصحيحة (160) والمشكاة 4680 ]
وجاء في موسوعة الحافظ ابن حجر الحديثية (5/88 ) "قال الحافظ في مختصر زوائد البزار (1/593-594) وفي الباب عن زيد بن أرقم قال : " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى الشام ، فلما قدم معاذ قال يا رسول الله ، رأيت أهل الكتاب يسجدون لأساقفتهم و بطارقتهم أفلا نسجد لك ، قال : لا ، ولو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها "
قال البزار اختلف الناس على القاسم فيه : فقال أيوب عنه عن ابن أبي أوفى .
وقال هشام عنه عن ابن أبي ليلى عن معاذ .
وقال قتادة عن القاسم ، عن زيد بن أرقم ,
وقال النهاس بن فهم ، عن القاسم ،عن ابن أبي ليلى عن أبيه عن صهيب ،
قال : و أحسب الاختلاف فيه من جهة القاسم لأن كل من رواه عنه ثقة وطريق زيد فيه صدقة السمين وهو ضعيف ، وطريق صهيب فيه النهاس ، وهو ضعيف وهي هذه " انتهى.
وقد صحح الحديث الشيخ الألباني رحمه الله في الصحيحة (3/201-202)برقم (1203) وعلق على تعليل البزار قائلا : " و ما أظن ذلك ينال من صحة الحديث شيئا لأن الاختلاف في تسمية صحاب الحديث ، وأيهم كان فهو عدل " ثم ذكر رواية المسند (4/381) عن ابن أبي أوفى به " ثم قال وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم و تابعه حماد بن زيد عن أيوب به . أخرجه ابن ماجه (1/292 - العلمية) وابن حبان (1390) و البيهقي (7/293) ، رللحديث شاهد من حديث ابن عمر . أخرجه البيهقي."
أقوال العلماء في التحية بالانحناء
جاء في الموسوعة الفقهية للكويت (6/322-323) : " الانحناء في اللغة مصدر : حنى ، فالانحناء : الانعطاف و الاعوجاج عن وجه الاستقامة . يقال للرجل إذا انحنى من الكبر حناه الدهر فهو محني ومحنو . ولا يخرج استعمال الفقهاء عن هذا "
ثم قالوا " وقد يكون محرما ، كالانحناء تعظيما لإنسان أو حيوان أو جماد . وهذا من الضلالات والجهالات . وقد نص الفقهاء على أن الانحناء لا يكون إلا لله تعالى تعظيما له ، ولقوله صلى الله عليه وسلم لرجل قال له : " يا رسول الله ، الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له ؟ قال صلى الله عليه وسلم : لا "
أما إن كان ذلك الانحناء مجرد تقليد للمشركين دون قصد التعظيم للمنحنى له فإنه مكروه ، لأنه يشبه فعل المجوس قال ابن تيمية : الانحناء للمخلوق ليس من السنة ، وإنما هو مأخوذ من عادات بعض الملوك والجاهليين "
جاء في تفسير ابن جرير الطبري (16/ 269-270) : " وقوله
وخرّوا له سجدًا ) ، يقول: وخرّ يعقوب وولده وأمّه ليوسف سجّدًا.
19899 - حدثني محمد بن سعد ، قال: حدثني أبي ، قال: حدثني عمي ، قال: حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس
وخرُّوا له سجدًا ) ، يقول: رفع أبويه على السرير ، وسجدا له ، وسجد له إخوته.
19900 - حدثنا ابن حميد ، قال: حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال: تحمّل = يعني يعقوب = بأهله حتى قدموا على يوسف، فلما اجتمع إلى يعقوب بنوه، دخلوا على يوسف، فلما رأوه وقعوا له سجودًا، وكانت تلك تحية الملوك في ذلك الزمان = أبوه وأمه وإخوته.
19901 - حدثنا بشر ، قال: حدثنا يزيد ، قال: حدثنا سعيد ، عن قتادة
وخروا له سجّدًا ) وكانت تحية من قبلكم ، كان بها يحيِّي بعضهم بعضًا ، فأعطى الله هذه الأمة السلام، تحية أهل الجنة، كرامةً من الله تبارك وتعالى عجّلها لهم، ونعمة منه.
19902 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال: حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة
وخروا له سجدًا ) ، قال: وكانت تحية الناس يومئذ أن يسجد بعضهم لبعض.
19903 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال: حدثنا أبو إسحاق ، قال: قال سفيان
وخرّوا له سجدًا ) ، قال: كانت تحيةً فيهم.
19904 - حدثنا القاسم ، قال: حدثنا الحسين ، قال: حدثني حجاج ، عن ابن جريج
وخروا له سجدًا ) ، أبواه وإخوته، كانت تلك تحيّتهم، كما تصنع ناسٌ اليومَ.
19905 - حدثنا ابن وكيع ، قال: حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك
وخروا له سجدًا ) قال: تحيةٌ بينهم.
19906 - حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد في قوله
وخرُّوا له سجدًا ) ، قال: قال: ذلك السجود لشرَفه ، كما سجدت الملائكة لآدم لشرفه، ليس بسجود عبادةٍ.
وإنما عنى من ذكر بقوله:"إن السجود كان تحية بينهم"، أن ذلك كان منهم على الخُلُق، لا على وجه العبادة من بعضهم لبعض. ومما يدل على أن ذلك لم يزل من أخلاق الناس قديمًا قبل الإسلام على غير وجه العبادة من بعضهم لبعض، قول أعشى بني ثعلبة:
فَلَمَّا أَتَانَا بُعَيْدَ الكَرَى... سَجَدْنَا لَهُ وَرَفَعْنَا عَمَارَا " انتهى
و ذكر البغوي في تفسيره هذه الآية (4/279-280) :" وكانت تحية الناس يومئذ السجود ولم يرد بالسجود وضع الجباه على الأرض ،
وإنما هو الانحناء والتواضع
وقيل وضعوا الجباه على الأرض ، وكان ذلك على طريق التحية والتعظيم ، لا على طريق العبادة . وكان ذلك جائزا في الأمم السالفة فنسخ في هذه الشريعة" انتهى
قال ابن الجوزي في" زاد المسير عند قوله تعالى : { ورفع أبويه على العرش } في «أبويه» قولان قد تقدما في الآية التي قبلها . والعرش هاهنا : سرير المملكة ، أجلس أبويه عليه { وخرّوا له } يعني : أبويه وإِخوته .
وفي هاء «له» قولان :
أحدهما : أنها ترجع إِلى يوسف ، قاله الجمهور . قال أبو صالح عن ابن عباس : كان سجودهم كهيأة الركوع كما يفعل الأعاجم . وقال الحسن : أمرهم الله بالسجود لتأويل الرؤيا . قال ابن الأنباري : سجدوا له على جهة التحية ، لا على معنى العبادة ، وكان أهل ذلك الدهر يحيِّى بعضهم بعضاً بالسجود والانحناء ، فحظره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فروى أنس بن مالك قال : " قال رجل : يا رسول الله أحدنا يلقى صديقه ، أينحني له؟ قال : لا " . والثاني : أنها ترجع إِلى الله ، فالمعنى : وخرُّوا لله سجَّداً ، رواه عطاء ، والضحاك عن ابن عباس ، فيكون المعنى : أنهم سجدوا شكراً لله إِذ جمع بينهم وبين يوسف ." انتهى
وجاء في تفسير القرطبي عند تفسير قوله تعالى :" خروا سجدا " [ الآية 100 من سورة يوسف ] قال سعيد بن جبير عن قتادة عن الحسن لم يكن سجودا ، لكنه سنة كانت فيهم ، يومئون برؤوسهم إيماء , كذلك كانت تحيتهم . وقال الثوري و الضحاك وغيرهما : كان سجودا كالسجود المعهود عندنا ، وهو كان تحيتهم . وقيل كان انحناء كالركوع ، ولم يكن خرورا على الأرض ، وهكذا كان سلامهم بالتكفي والانحناء ، وقد نسخ الله ذلك كله في شرعنا ، وجعل الكلام بدلا عن الانحناء ، وأجمع المفسرون أن ذلك السجود على أي وجه كان فإنما كان تحية لا عبادة ، قال قتادة : هذه كانت تحية الملوك عنهم ، وأعطى الله هذه الأمة السلام تحية أهل الجنة .
قلت : هذا الانحناء و التكفي الذي نسخ عنا صار عادة بالديار المصرية ، و عند العجم ، وكذلك قيام بعضهم إلى بعض ، حتى أن أحدهم إذا لم يقم له وجد في نفسه كأنه لا يؤبه به ، و أنه لا قدر له ، و كذلك إذا التقوا انحنى بعضهم لبعض ، عادة مستمرة ، ووراثة مستقرة لا سيما عند التقاء الأمراء والرؤساء . نكبوا عن السنن ، وأعرضوا عن السنن " انتهى
وفي تفسير الثعالبي (3/352) :" خروا له سجدا أي سجود تحية ، فقيل : كان كالسجود المعهود عندنا من وضع الوجه بالأرض
وقيل بل دون ذلك كالركوع البالغ ونحوه مما كان سيرة تحياتهم للملوك فيلك الزمان ، وأجمع المفسرون ، أنه كان سجود تحية لا عبادة ، وقال الحسن الضمير في له لله عز وجل ورد هذا القول على الحسن . "
قال ابن كثير في تفسيره (4/412) : " { وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا } أي: سجد له أبواه وإخوته الباقون، وكانوا أحد عشر رجلا { وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ } أي: التي كان قصها على أبيه { إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } [يوسف: 4]
وقد كان هذا سائغا في شرائعهم إذا سلَّموا على الكبير يسجدون له، ولم يزل هذا جائزًا من لدن آدم إلى شريعة عيسى، عليه السلام، فحرم هذا في هذه الملة، وجُعل السجود مختصا بجناب الرب سبحانه وتعالى.
هذا مضمون قول قتادة وغيره.
وفي الحديث أن معاذا قدم الشام، فوجدهم يسجدون لأساقفتهم، فلما رجع سجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "ما هذا يا معاذ؟" فقال: إني رأيتهم يسجدون لأساقفتهم، وأنت أحق أن يسجد لك يا رسول الله فقال: "لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد، لأمرت الزوجة (1) أن تسجد لزوجها من عِظم (2) حقه عليها" (3)
وفي حديث آخر: أن سلمان لقي النبي صلى الله عليه وسلم في بعض طُرُق المدينة، وكان سلمان حديث عهد بالإسلام، فسجد للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "لا تسجد لي يا سلمان، واسجد للحي الذي لا يموت" (4) .
والغرض أن هذا كان جائزا في شريعتهم؛ ولهذا خروا له سُجَّدًا "
جاء في الدر المنثور عند تفسير هذه الآية : " وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - في قوله { وخروا له سجداً } قال : كان تحية من كان قبلكم السجود ، بها يحيي بعضهم بعضاً ، وأعطى الله هذه الأمة السلام تحية أهل الجنة ، كرامة من الله عجلها لهم ونعمة منه .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن ابن زيد - رضي الله عنه - في قوله { وخروا له سجداً } قال : ذلك السجود تشرفة ، كما سجدت الملائكة عليهم السلام تشرفة لآدم عليه السلام ، وليس بسجود عبادة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله { وخروا له سجداً } قال : بلغنا أن أبويه واخوته سجدوا ليوسف عليه السلام إيماء برؤوسهم ، كهيئة الأعاجم ، وكانت تلك تحيتهم كما يصنع ذلك ناس اليوم .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك وسفيان - رضي الله عنهما - قالا : كانت تلك تحيتهم ." انتهى
وجاء في فتح القدير : " { وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَا } أي : الأبوان والأخوة ، والمعنى : أنهم خرّوا ليوسف سجداً ، وكان ذلك جائزاً في شريعتهم منزلاً منزلة التحية . وقيل : لم يكن ذلك سجوداً بل هو مجرد إيماء ، وكانت تلك تحيتهم ، وهو يخالف معنى : وخرّوا له سجداً ، فإن الخرور في اللغة المقيد بالسجود لا يكون إلاّ بوضع الوجه على الأرض . وقيل : الضمير في قوله : { له } راجع إلى الله سبحانه ، أي : وخرّوا لله سجداً ، وهو بعيد جداً . وقيل : إن الضمير ليوسف ، واللام للتعليل أي : وخرّوا لأجله سجداً ، وفيه أيضاً بعد " انتهى
وفي التحرير والتنوير (2/56) : " وكان السجود تحية الملوك وأضرابهم ، ولم يكن يومئذ ممنوعا في الشرائع و إنما منعه الإسلام لغير الله تحقيقا لمعنى مساواة الناس في العبودية و المخلوقية "
وفي عمدة التفاسير لأحمد شاكر (2/306) : " وقد كان هذا سائغا في شرائعهم إذا سلموا على الكبير يسجدون له ولم يزل هذا سائغا من لدن آدم إلى شريعة عيسى عليه السلام ، فحرم هذا في هذه الملة ، وجعل السجود مختصا بجناب الرب سبحانه و تعالى .هذا مضمون قول قتادة وغيره "
وفي تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير (2/499) :" وقد كان السجود سائغا في شرائعهم إذا سلموا على الكبير يسجدون له ، ولم يزل هذا سائغا من لدن آدم إلى شريعة عيسى عليه السلام ، فحرم هذا في هذه الملة ، وجعل السجود مختصا بجناب الرب سبحانه و تعالى "
وفي البحر الرائق شرح كنز الدقائق (8/398) :" وما يفعله من السجود بين يدي السلطان فحرام والفاعل والراضي به آثمان لأنه أشبه بعبدة الأوثان وذكر الصدر الشهيد أنه لا يكفر بهذا السجود ; لأنه يريد به التحية وقال شمس الأئمة السرخسي: لغير الله على وجه التعظيم كفر "
وفي تحفة المحتاج بشرح المنهاج (4/190) : " وحني الظهر مكروه، وقال كثيرون: حرام، للحديث الحسن أنه صلى الله عليه وسلم نهى عنه وعن التزام الغير وتقبيله، وأمر بمصافحته. وأفتى المصنف بكراهة الانحناء بالرأس وتقبيل نحو رأس أو يد أو رجل لا سيما لنحو غني، لحديث: "من تواضع لغني ذهب ثلثا دينه" ويندب ذلك لنحو صلاح أو علم أو شرف، لأن أبا عبيدة قبل يد عمر رضي الله عنهما "
وجاء في الفتاوى الكبرى الفقهية على مذهب الإمام الشافعي (4/227-228) :"وسئل" رحمه الله سبحانه وتعالى بما لفظه ما حكم المصافحة وتقبيل اليد والرجل والرأس والانحناء بالظهر والقيام ابسطوا الجواب؟ "فأجاب" بقوله المصافحة للقادم سنة وكذا تقبيل ما ذكر من نحو عالم وصالح وشريف نسب والانحناء بالظهر مكروه والقيام لمن ذكر سنة هذا مذهبنا ووراء ذلك تذنيبات لا بأس بالتعرض لها قال ابن عبد السلام: ...... إلى أ ن قال :" والانحناء البالغ حد الركوع لا يفعله أحد لأحد كالسجود ولا بأس بما نقص عن حد الركوع لمن يكرم من أهل الإسلام..."
وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح عند شرحه لباب المصافحة والمعانقة الفصل الثاني "وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رجل يا رسول الله الرجل منا أي من المسلمين أو من العرب يلقى أخاه أي المسلم أو أحدا من قومه فإنه يقال له أخو العرب أو صديقه أي حبيبه وهو أخص مما قبله أينحني له من الانحناء وهو إمالة الرأس والظهر تواضعا وخدمة قال لا أي فإنه في معنى الركوع وهو كالسجود من عبادة الله سبحانه "
وجاء في تحفة الأحوذي (7/514 ) " ( أينحني له ) من الانحناء و إمالة الرأس والظهر (قال لا ) فإنه في معنى الركوع وهو كالسجود من عبادة الله سبحانه "
و سئل شيخ الإسلام : فيمن يبوس الأرض دائما هل يأثم ؟ وفيمن يفعل ذلك لسبب أخذ رزق وهو مكره كذلك؟
الجواب :" أما تقبيل الأرض ووضع الرأس ونحو ذلك مما فيه السجود ، مما يفعل قدام بعض الشيوخ وبعض الملوك فلا يجوز ، بل لا يجوز الانحناء كالركوع أيضا كما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم الرجل منا يلقى أخاه أينحني له ؟ قال :لا ،ولما رجع معاذ من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : " ما هذه يا معاذ ، قال يا رسول الله رأيتهم في الشام يسجدون لأساقفتهم ويذكرون ذلك عن أنبيائهم فقال " كذبوا عليهم ، لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من أجل حقه عليها . يا معاذ إنه لا ينبغي السجود إلا لله" أما فعل ذلك تدينا و تقربا فهذا من أعظم المنكرات .
ومن اعتقد مثل هذا قربة ودينا فهو ضال مفتر ، بل يبين له أن هذا ليس بدين ولا قربة ، فإن أصر على ذلك استتيب و إلا قتل ..." الفتاوى الكبرى (1/56)
قال ابن القيم في كتاب إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (2/ص637):" ومن تلاعب الشيطان بهذه الأمة وكيده لهم: أنهم قيل لهم، وهم مع نبيهم، والوحي ينزل عليه من الله تعالى: {ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ} [البقرة: 58].
قال قتادة، وابن زيد، و السدي، وابن جرير وغيرهم: هي قرية بيت المقدس:
{فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً} [البقرة: 58]، أي: هنيئاً واسعاً، {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً}[البقرة: 58].
قال السدي : هو باب من أبواب بيت المقدس. وكذلك قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: والسجود بمعنى الركوع. وأصل السجود: الانحناء لمن تعظمه. فكل منحن لشيء تعظيما له فهو ساجد، قاله ابن جرير وغيره.
قلت: وعلى هذا فانحناء المتلاقيين عند السلام، أحدهما لصاحبه من السجود المحرم، وفيه نهى صريح عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم. "انتهى
قال محمد بن عبد الوهاب في كتاب " شروط الصلاة وأركانها وواجباتها " (ص 11) عند شرحه لمعنى التشهد : " ومعنى "التحيات" جميع التعظيمات لله ملكا واستحقاقا، مثل الانحناء والركوع والسجود والبقاء والدوام، وجميع ما يعظم به رب العالمين فهو لله، فمن صرف منه شيئا لغير الله فهو مشرك كافر."
وجاء في كتاب" المورد العذب الزلال في كشف شبه أهل الضلال" لعبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب (ص 314) " واعلم أن هؤلاء المشركين لا يرضون من هذا وأمثاله بمجرد الموالاة والنصرة دون عبادتهم وتسويتهم لهم بالله في التعظيم والإجلال والتودد إليهم. فمن ذلك الانحناء لهم والإشارة باليد إلى أشرف أعضاء السجود وهو الجبهة والأنف.
وكل ذلك من خصائص الإلهية، وذلك أمر لا محيد لهم عنه، كما قال تعالى عن أهل الكهف: {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً}2. ولهذا لم يجدوا من مفارقتهم بُدا، حتى ذهبوا إلى غار في رأس جبل خوفا من ذهاب دينهم فآثروا الله على كل ما سواه..."
وفي شرح رياض الصالحين لابن عثيمين (3/ شرح حديث 888) " والانحناء أشد وأعظم لأن فيه نوعا من الخضوع لغير الله عز وجل بمثل ما يفعل لله في الركوع فهو منهي عنه ولكنه يصافحه وهذا كاف إلا إذا كان هناك سبب فإن المعانقة أو التقبيل لا بأس به كأن كان قادما من سفر أو نحو ذلك فإن قال قائل كيف يكون قول الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينحني له مع قول الله تعالى في إخوة يوسف لما دخلوا عليه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا فالجواب عن هذا أنه في شريعة سابقة وشريعتنا الإسلامية قد نسخته ومنعت منه فلا يجوز لأحد أن يسجد لأحد وإن لم يرد بذلك العبادة أو ينحني فإن الانحناء منع منه الرسول صلى الله عليه وسلم إذا قابلك أحد يجهل هذا الأمر وانحنى لك فانصحه وأرشده قل له هذا ممنوع لا تنحن ولا تخضع إلا لله وحده وتقبيل اليد لا بأس به إذا كان الرجل أهلا لذلك والله الموفق"
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .