المبحث التاسع : تقبيل المصحف وكتب أهل العلم:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (القيام للمصحف وتقبيله لا نعلم فيه شيئا مأثورا عن السلف ، وقد سئل الإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله عن تقبيل المصحف ، فقال: ما سمعت فيه شيئا ، ولكن روي عن عكرمة بن أبي جهل أنه كان يفتح المصحف ، ويضع وجهه عليه ، ويقول كلام ربي ، كلام ربي).
والمسألة فيها قولان لأهل العلم:
القول الأول: جواز تقبيل المصحف ؛ وهو قول للحنفية ، وقول في مذهب الحنابلة ، وقال به ابن حجر من الشافعية ، قالوا: لأنه من باب التكريم له ، ولأثر عكرمة السابق.
القول الثاني: كراهة تقبيل المصحف ، وهو قول المالكية ، وقول في مذهب الحنفية ، ورواية عن الإمام أحمد رحمه الله.
واستدلوا على ذلك بعدة أدلة منها:
1-أنه وإن كان في تقبيل المصحف رفعة له وإكراما ، فإنه لا يستحب فعله ، لأن القرب لا يصار إليها إلا بتوقيف ، كما أن عمر لما رأى الحجر قال:" إنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أن رسول الله قبلك ما قبلتك ".
وكذلك معاوية لما طاف وقبل الأركان كلها ، أنكر عليه ابن عباس فقال: " ليس في البيت شيء مهجور ؟؟ فقال ابن عباس : إنما هي السنة ، فأنكر عليه الزيادة على فعل النبي صلى الله عليه وسلم".
2-أن تكريم المصحف وتعظيمه يكون في قراءته والعمل به ، لا تقبيله والقيام إليه – إذا أُدخل- كما يفعله بعضهم..والورقة يجدها الإنسان فيها اسم الله – ككتب العلم وغيرها- فتعظيمها رفعها من مكان المهنة إلى موضع الرفعة ، لا بتقبيلها.
3- ولأنه لا يقبل إلا ما استثناه الشرع بدليل صحيح ، ولا دليل على تقبيل المصحف وكتب العلم.
قال ابن مفلح: وظاهر كلام شيخ الإسلام: يدل على عدم التقبـيـل ، فإنه ذكر أنه لا يشرع من الجمادات ، إلا ما استثناه الشرع.
والظاهر والله تعالى أعلم: جوازه إذا كان خوفاً من كونه أوقعه إهانة، ولا يشرع إذا كان على وجه التعبد ابتداء.
والله تعالى أعلم.