الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد
فمحبة الرسول واجبة بل فرض، والدفاع عنه يكون بالضوابط الشرعية لا بالعاطفة والحماس.
إن من الأمور المسلمة عند المسلمين أن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم فرضٌ على كل مسلم ومسلمة، وأن المرء لا يتم له دخوله في الإسلام إلا أن يقرن شهادة النبي الأمي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم بشهادة الله وذلك في الشهادتين: "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله"
بل ولا يكون المؤمن مؤمناً إلا إذا كانت محبة النبي فوق محبة الناس جميعا بل ومن نفس المرء التي بين جنبيه ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى اله عليه وسلم:
(و الذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده). (حم، خ).
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين). ( حم، خ، م).
وعبد الله بن هشام قال كنا مع النبي وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي فقال النبي لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال له عمر فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي فقال النبي الآن يا عمر). (خ).
وهذه الأحاديث وما في معناها توجب علينا نحن المسلمين الدفاع عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن تحت ضوابط شرعية ومن غير غلو فهذه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قد غارت على زوجها وحبيبها ونبيها عندما ألقى اليهود عليه السلام بقولهم "السام عليكم".
فعن عروة عن عائشة رضي اله عنهم قالت إن رهطا من اليهود دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليك فقال النبي صلى الله عليه وسلم فقالت عائشة بل عليكم السام واللعنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله قالت عائشة ألم تسمع ما قالوا قال قد قلت عليكم.
وإننا نستنكر ما قامت به بعض صحف الدولة الكافرة (دولة الدنمرك) بالإساءة إلى شخص نبينا وحبيبنا وقدوتنا وقرة عيوننا محمد بن عبد الله رسول الله وخاتم الأنبياء والمرسلين صلوات ربي وسلامه عليه؛ وذلك برسم صورته بأبشع منضر ـ ألاَ لعنة الله على الكافرين ـ والغيرة واجبة علينا تجاه نبينا صلى الله عليه وسلم وكذا الدفاع عنه وشجب من يتهكم بشخصه عليه السلام؛ ولكن لا يكون ذلك إلا بالضوابط الشرعية المرعية، لا بالعاطفة والتجرؤ على الله بالقول عليه بغير علم ولا دليل ولا برهان، كما حصل من الداعية عائض بن عبد الله القرني في اللقاء الذي كان له في البرنامج بالإذاعة عصر يوم الأحد 29/12/1426هـ، وقد تكلم من منطلق العاطفة والإثارة لا من باب تأصيل المسألة وردها للكتاب والسنة وأقوال العلماء المعتبرين، وذلك بأمره الأمة بمقاطعة المنتجات الدنمركية وان هذه هي الفتوى الصحيحة بعد أن خطأ من قال لا ينبغي المقاطعة وهنا أورد نص كلامه ثم نناقشه علمياً ـ إن شاء الله ـ، فيقول:
فكيف من تطاول على حبيب قلوبنا وعلى إما منا وعلى قدوتنا وعلى المعصوم ليس لنا عز بعد محمد وإذا وصل الحال إلى أن ينال رسولنا.
فيا موت زر إن الحياة ذميمة
ويا نفس جدي إن دهرك هازلُ
انتهى الموضوع وصل الآن الأمر تجاوز كل الخطوط الحمراء عند العقلاء وعند كل مسلم وعند كل مسلمة فأنا أحيي هذه المقاطعة وأطلب من كل مسلم أن يتقي الله ولا يشتري بضائع أولئك القوم ولا يكون لهم عوناً وسنداً بعد هذا الموقف المسيء والمشين.
وبالمناسبة أشكر من تبنى هذا الأمر كمنظمة العالم الإسلامي ومجلس الشورى عندنا وأهل العلم في بلا دنا .. والدعوة .. وأيضاً اشكر الإخوة في الكويت على قيامهم القوْمَة المشهودة بالأمس وأدعو بقية العالم الإسلامي حكومات وشعوب إلى موقف مشرف سواء كان في رجال الإعلام بكتابتهم بمقالتهم بأقلامهم أن ينصروا الإمام المعصوم عليه الصلاة والسلام ،وكذلك أدعو الشعوب إلى أن تقاطع تلك البضائع وأدعو العلماء إلى أن يكون لهم موقف موحد يصل صوتهم إلى تلك البلاد باستنكار وبأسف وبتنديد وبشجب وذلك حق المسلم فهذا لا يتخلف عنه إلا منافق معلوم النفاق في قلبه مرض يعني لا يرى نصرة الرسول ، وكل ومن يهون .
بالمناسبة سمعت أحدهم يقول: لا ينبغي المقاطعة لأنه ليس من فعل السلف وكأنه الوحيد المطلع على أقوال السلف 00
بل في السلف هناك نصوص أيدت المقاطعة ولنا أصل في الشريعة أيدها علمائنا 00 أجل ندفع أموالنا إلى قوم يسيئون إلى رسالتنا وإلى ديننا وإلى رسولنا ؟
أجل نكون لهم عون في طعن الإسلام؟
أجل نظاهرهم ونساعدهم ونعاونهم ونشتري منهم؟؟
لا وألف لا 00
بل الفتوى الصحيحة المقاطعة، فأرجو ممن لم يحسن الفتوى، ولم يحسن القول ألا يقول على الله بغير علم ، وألا يفترى على الله، وألا يكون سبب في تهوين همة المسلمين ووقفتهم المشهودة التي الحمد لله كانت من القيادة ومن الشعب0انتهى النقل.
في هذه الفتوى عدة أمور منها:
أولاً:
قوله: ليس لنا عز بعد محمد .
هذه العبارة فيها نفس صوفي، فإن الصوفية تتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا تتعلق باتباعه الإتباع الشرعي المأمورين به من غير غلو ولا جفاء.
ثم إن العزة هي باعتناق دين الإسلام وباتباعه صلى الله عليه وسلم، وليست العزة بإثارة العواطف التي لا تعتمد على نص شرعي.
(قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ). (آل عمران : 31 ).
(مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ). (فاطر : 10 ).
(يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ). (المنافقون : 8 ).
ثانياً:
قول القرني: "انتهى الموضوع وصل الآن الأمر تجاوز كل الخطوط الحمراء عند العقلاء وعند كل مسلم وعند كل مسلمة".
وهو يعني تطاول الكفرة على رسولنا صلى الله عليه وسلم
فنقول: ألم يتطاول الكفار على شخصه صلى الله عليه وسلم في عهده وفي المدينة ؟؟!!
فقد كذَبت عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ يهود، وخانته، وغدرت به ونقضوا عهدهم، وسمَّوْه، وسحروه. ومع هذا كله مات ودرعه مرهونة عند يهودي.
فعن أبي هريرة أنه قال لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اجمعوا لي من كان ها هنا من اليهود)، فجمعوا له. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقي عنه؟). فقالوا: نعم يا أبا القاسم! فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أبوكم؟)، قالوا: فلان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كذبتم بل أبوكم فلان). فقالوا: صدقت وبررت. قال: (هل أنتم مصدقي عن شيء إن سألتكم عنه؟) قالوا: نعم يا أبا القاسم! وإن كذبناك عرفت كما عرفته في أبينا. قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أهل النار؟). قالوا: نكون فيها يسيراً ثم تخلفوننا فيها، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اخسئوا فيها والله لا نخلفكم فيها أبداً)، ثم قال لهم: (فهل أنتم مصدقي عن شيء إن سألتكم عنه؟). قالوا: نعم يا أبا القاسم! قال: (هل جعلتم في هذه الشاة سماً؟). قالوا نعم. فقال: (ما حملكم على ذلك؟). فقالوا: أردنا إن كنت كذاباً نستريح منك وإن كنت نبياً لم يضرك . أحمد، والبخاري.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سحر النبي صلى الله عليه وسلم يهودي من يهود بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم حتى كان النبي صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله قالت حتى إذا كان ذات يوم أو كان ذات ليلة دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعا ثم دعا ثم قال يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه جاءني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي ما وجع الرجل قال مطبوب قال من طبه قال لبيد بن الأعصم قال في أي شيء قال في مشط ومشاطة وجف طلعتي ذكر قال فأين هو قال في بئر ذروان يا عائشة والله لكأن ماءها نقاعة الحناء ولكأن نخلها رءوس الشياطين). الشيخان، وأحمد، وابن ماجه والفظ له.
ومع هذا كله؛ أكل صلى اله عليه وسلم من منتجاتهم، واشترى من بضائعم، ولم يقاطعهم ولم يأمر بمقاطعته، ومن ادعى غير ذلك فعليه الدليل .
بل الثابت عنه غير ذلك، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (توفي رسول الله ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير).
وزاد النسائي: ( لأهله).
واكل صلى الله عليه من الجبن في تبوك، فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: أتي النبي بجبنة في تبوك فدعا بسكين فسمى وقطع. أبو داود وحسنه الألباني.
ثالثاً:
يقول عائض القرني: "فأنا أحيي هذه المقاطعة وأطلب من كل مسلم أن يتقي الله ولا يشتري بضائع أولئك القوم".
أقول:
ما هو مستندك الشرعي ودليلك من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على ما أيدت به المقاطعة، بل وعلى ما أمرت به المسلمين بأن لا يشتروا من بضائعهم، بل الأدلة ضد ما تقول وتدعي وتأمر به.
يقول الله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ ..). (المائدة : 5 ).
و عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: سئل رسول الله عن السمن والجبن والفراء؟ قال: (الحلال ما أحل الله في كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه وما سكت عنه فهو مما عفا عنه). الترمذي، وأبو داود، وحسنه الألباني.
رابعاً:
يؤكد عائض القرني تأييده للمقاطعة فيصدر فتوى في ذلك فيقول: "بل الفتوى الصحيحة المقاطعة. فأرجو ممن لم يحسن الفتوى، ولم يحسن القول ألا يقول على الله بغير علم ، وألا يفترى على الله".
أقول:
في هذه الفتوى عدة أمور:
1) لأنها لم تستند على دليل شرعي، إنما هي قائمة على الرأي والعاطفة، بل الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة وعمل الأمة عكس ما أفتى وقد سبق ذكر الآية في حل طعام أهل الكتاب، وكذا قول المصطفي صلى اله عليه وسلم في الحديث السابق: (الحلال ما أحله الله..).
2) وقوله: "فأرجو ممن لم يحسن الفتوى، ولم يحسن القول ألا يقول على الله بغير علم ، وألا يفترى على الله".
فأقول: "رمتني بدائها وانسلت".
من الذي لم يحسن الفتوى ؟
الذي يربط المسلمين بالكتاب والسنة، أم بالمتكلم بالرأي والعاطفة والإثارة ؟؟!!
ومن الذي تقَوّل على الله بغير دليل ؟
الله سبحانه وتعالى يحل لنا طعام أهل الكتاب، والنبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع اليهود ويبتاع منهم ويرهن درعه تأكيداً على ذلك، وأنت تأمر بالمقاطعة وتفتي بل وتجزم أن هذه الفتوى الصحيحة، وتخالف أوامر الله، حيث يقول الله تعالى مشنعاً على المتقولين عليه بغير علم:
(قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ). (الأعراف : 33 )
وقال تعالى مستنكراً على من يحرم على أحدٍ ما يحرمه الله تعالى فقال عز وجل:
(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ). (الأعراف : 32 ).
وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: (الحلال ما أحل الله في كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه ..).
سادساً:
قول القرني: "ولا يكون لهم عوناً وسنداً بعد هذا الموقف المسيء والمشين".
يعني: الذين يقولون لا تنبغي المقاطعة إلا بالدليل ولم يأمروا بالمقاطعة.
أقول: النبي صلى الله عليه وسلم على ما فعلت به يهود، لم يثبت لنا من قوله بأن أمر بالمقاطعة، أو من فعله بأن قاطع بضائعهم، بل العكس اشترى منهم أيضاً بعد ما فعلوا ما فعلوا، و مات ودرعه مرهونة عند يهودي في طعام لأهله.
فهل النبي صلى الله عليه وسلم بهذا كان عوناً وسنداً لليهود على الإسلام والمسلمين ؟!
أم أنك تهرف بما لا تعرف ؟ إرضاءً للجماهير، حيث رأيتَ الرأي العام ثار فآثرتَ أن تشاركهم بدلاً من أن تضع بين أيديهم الأدلة الدالة على مشروعية التعامل مع الكفار وإن صدر منهم مثل هذا، وأن المقاطعة ترجع للنظر في المصالح والمفاسد، وأنها من صلاحيات ولي الأمر.
سابعاً:
قول القرني: بالمناسبة سمعت أحدهم يقول: لا ينبغي المقاطعة لأنه ليس من فعل السلف وكأنه الوحيد المطلع على أقوال السلف 00
بل في السلف هناك نصوص أيدت المقاطعة ولنا أصل في الشريعة أيدها علمائنا 00 ".
أقول:
"أثبت العرش ثم انقش".
هات أقول السلف الذي تدعيه في وجوب المقاطعة، وإلا ألجمناك نحن بقول إمام من أئمة السلف والذي يخالف ما أنت تدعيه.
فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
"عن معاملة التتار هل هي مباحة لمن يعاملونه ؟
فأجاب رحمه الله:
أما معاملة التتار فيجوز فيها ما يجوز فى أمثالهم و يحرم فيها ما يحرم من معاملة أمثالهم فيجوز أن يبتاع الرجل من مواشيهم و خيلهم و نحو ذلك كما يبتاع من مواشي التركمان و الأعراب والأكراد و خيلهم ويجوز أن يبيعهم من الطعام و الثياب و نحو ذلك ما يبيعه لأمثالهم فاما ان باعهم و باع غيرهم ما يعينهم به على المحرمات كالخيل و السلاح لمن يقاتل به قتالا محرما فهذا لا يجوز قال الله تعالى و تعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الاثم و العدوان". "الفتاوى" (29/275).
ثانياً:
أن هذه الفتوى قولٌ على الله بغير علم وسيأتي بيان ذلك كله مجتمعا بعد أن نقرر ما يلي:
1) ألم يكن هؤلاء الكفار ـ من يهود ونصارى ـ هم الذين قالوا فيما أخبر الله تعالى في كتابه العزيز عنهم بقوله:
(لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ ..). (المائدة : 73 ).
2) ألم يكن هؤلاء الكفار ـ من يهود ونصارى ـ هم الذين قالوا فيما أخبر الله تعالى في كتابه العزيز عنهم بقوله:
(وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ). (التوبة : 30 )
3) ألم يكن هؤلاء الكفار ـ من يهود ونصارى ـ هم الذين قالوا فيما أخبر الله تعالى في كتابه العزيز عنهم بقوله:
(لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَولَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ). (آل عمران : 181 )
4) ألم يكن هؤلاء الكفار هم الذين قالوا فيما أخبر الله تعالى في كتابه العزيز عنهم بقوله:
(وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ ...). (المائدة : 64 )
هذه أقوال من كفر بالله تعالى ومع هذا أنزل الله تعالى ـ بعد أن قص سبحانه لنا من أخبارهم ـ فقال:
الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ .. (المائدة : 5 ).
أمّا أنّ هذه الفتوى قولٌ على الله بغير علمٍ، وتطاول على الله تعالى بتحريم الحلال؛ وهذا من أكبر الكبار؛ بأن جعل الله تعالى القولَ عليه سبحان؛ أعظم من الشرك، حيث جاء بعد مرتبة الشرك في الآية، بل القول على الله؛ مشاركة لله في الأمر والنهي وليس مشاركة له سبحانه في العبادة فحسب ـ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، قال تعالى:
(قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ). (الأعراف : 33 ).
وأمّا أن الفتوى لم تكن موافقة للسنة فقد ثبت في الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعاً من الشعير.
ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (توفي رسول الله ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير).
وزاد النسائي: ( لأهله).
وأكل صلى الله عليه من الجبن في تبوك، ف عن ابن عمر رضي الله عنه قال: أتي النبي بجبنة في تبوك فدعا بسكين فسمى وقطع. أبو داود وحسنه الألباني.
و عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: سئل رسول الله عن السمن والجبن والفراء؟ قال: (الحلال ما أحل الله في كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه وما سكت عنه فهو مما عفا عنه). الترمذي، وأبو داود، وحسنه الألباني.
ومع أن الله تعالى أحل لنا طعام أهل الكتاب وأنكر على من يحرم ما أحله الله تعالى على عباده، جاء نهيه سبحانه وتعالى عن التحريم والتحليل مصرحا في وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ (النحل : 116 ).
فقد نهى الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة الكفار عن تحريم ما أحل الله من رزقه. والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ولو قال قائض القرني: قلت هذا من منطلق الغيرة على حرمات الله، ودفاعاً عن حبيبنا ونبينا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
فنقول أأنت أغير من الله تعالى على دينه وعلى عبده ورسوله ؟!
أما بلغك قول النبي صلى الله عليه وسلم ـ في الحديث الصحيح المتفق عليه ـ:
(والله لأنا أغير منه والله أغير مني ومن أجل غيرة الله حرم الله الفواحش ما ظهر منها وما بطن ..).
أم أنت أغير من رسول الله صلى الله عليه وسلم على محارم الله، وإنّ أذية النبي صلى الله عليه وسلم لا شك أنها من الانتهاك لمحارم الله.
ففي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ( .. وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله تعالى).
إن المقاطعة وترك البيع والشراء من أهل الكتاب على وجه التعبد لا دليل عليه حتى وإن كان هناك اعتداء على حال على شخص سيد ولد آدم ـ بأبي هو وأمي ـ صلى الله عليه وسلم.
فقد كذَبتْ عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ يهود، وخانته، وغدرت به، وسموه، وسحروه، وكما بينا أنه مات ودعه مرهونة عند يهودي.
فعن أبي هريرة أنه قال لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اجمعوا لي من كان ها هنا من اليهود)، فجمعوا له. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقي عنه؟). فقالوا: نعم يا أبا القاسم! فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أبوكم؟)، قالوا: فلان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كذبتم بل أبوكم فلان). فقالوا: صدقت وبررت. قال: (هل أنتم مصدقي عن شيء إن سألتكم عنه؟) قالوا: نعم يا أبا القاسم! وإن كذبناك عرفت كما عرفته في أبينا. قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أهل النار؟). قالوا: نكون فيها يسيراً ثم تخلفوننا فيها، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اخسئوا فيها والله لا نخلفكم فيها أبداً)، ثم قال لهم: (فهل أنتم مصدقي عن شيء إن سألتكم عنه؟). قالوا: نعم يا أبا القاسم! قال: (هل جعلتم في هذه الشاة سماً؟). قالوا نعم. فقال: (ما حملكم على ذلك؟). فقالوا: أردنا إن كنت كذاباً نستريح منك وإن كنت نبياً لم يضرك . أحمد، والبخاري.
وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ (النحل : 116 ).
ثم إن في مقال عايض القرني هذا وفتواه بالمقاطعة؛ إفتيات على ولي الأمر ، حيث أن هذه من المسائل العامة التي يختص بها ولي الأمر لأنه أدرى بمصالح رعيته من غيره.
كما أن هذه الفتوى والتهييج؛ فيه تقدم بين يديْ العلماء أهل الفتيا ـ الذين نصبهم الإمام ـ، فلم نجدهم أمروا بالمقاطعة في هذا الوقت ـ الساعة التي نشر كلامه القرني فيها ـ.
بل سئل الشيخ الهمام بقية السلف صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله تعالى هذا السؤال وأجاب:
سؤال:
يُكتب في الصحف هذه الأيام الدعوة إلى مقاطعة البضائع الأمريكية وعدم شرائها وعدم بيعها، وان العلماء يدعون إلى المقاطعة، وأن هذا العمل فرض عين على كل مسلم، وأن الشراء لواحدة من هذه البضائع حرام حرام، وأن صاحبها فاعل لكبيرة، ومعين لهؤلاء ولليهود على قتال المسلمين، فأرجو من فضيلتكم توضيح هذه المسألة للحاجة إليها، وهل يثاب الشخص على هذا الفعل ؟
جواب:
هذا غير صحيح، العلماء المعتبرون ما أفـتـوا بتحريم الشـراء من السلع الأمريكية، والسلع الأمريكية ما زالت تورَّد وتباع في أسواق المسلمين.
ولا تقاطع السلع إلا إذا أصدر ولي الأمر منعاً بذلك وأمَرَ بمقاطعة دولة من الدول فيجب مقاطعتها.
أما مجرد الأفراد يفتون بالتحريم، هذا تحريم ما أحل الله، هذا لا يجوز. انتهى من كتاب "الفتاوى المهمة".
فنسأل الله ان يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه اجمعين،،